El lado emocional del Islam
الجانب العاطفي من الإسلام
Géneros
وهذا كلام يحتاج إلى فضل بيان، نعم، يقدر أحد الناس على تناول أقراص من الخبز، وارتداء ألبسة من الخيش، والانزواء بعد ذلك فى مكان خرب أو عامر يعبد الله كما يرى. والبيئة التى يوجد فيها هذا الصنف من الناس ربما لا تتطلب أكثر من رحى للطحن، ومغزل للنسيج، وعدد من الأشغال التافهة هى التى تمثل " فروض الكفاية " فى مجتمع ساذج. لكن الإسلام لا يصلح فى هذه البيئة، ولا تعاونه أدواتها على السير، ولا على مجرد البقاء. لو كان الإسلام رهبانية صوامع ربما أنزوى فى جانب منها واكتفى بأى لون من العيش، ولكنه دين يبغى الاستيلاء على الحياة، وإقامة عوجها ومحاربة طواغيها. وعدة هذا الجهاد تتطلب أمدادا موصولة من النشاط والخبرة والتضلع فى علوم الحياة والتمكن من أشتات الحرف. أى أن المجتمع الإسلامى لابد أن تزدهر فيه جميع الفنون والصناعات التى تشيع بين أجيال البشر فى أرجاء الأرض كافة. وينبغى أن تبلغ براعة المسلمين فى هذه الميادين حد التفوق. فإذا قورن بهم غيرهم فى النواحى المدنية والعسكرية كانوا أرجح كفة وأهدى سبيلا.. وإتقان هذه الأمور فى طليعة درجة الإحسان التى شرحها الحديث... تصور مثلا أن المسلمين متخلفون فى صناعة الدواء، وأنهم فى هذا عالة على غيرهم من الأمم الشيوعية والصليبية! أتظنهم بهذا التخلف يسدون إلى دينهم أو إلى أنفسهم جميلا؟ 063 أم أنهم بهذا التخلف يهزمون مبادئهم ومثلهم العليا فى أول معركة مع عدوهم؟ تصور أنهم متخلفون فى فن الطباعة، أتراهم يستطيعون السيطرة على وسائل النشر وإبراز الحقائق وإغراء ألوف القراء بمطالعتها والإقبال عليها؟ إن مهنة صيدلى، أو مهنة طباع، فرائض على المجمتع الإسلامى كالصلاة والصيام سواء بسواء، غاية ما هناك من فرق أن الصلاة والصيام لا يتخلف عن أدائها أحد، أما فروض الكفاية فيختار لها من يصلح لها. ومن لم يصلح لحرفة معينة صلح لغيرها، وكلف بالقيام بها. وعندما يقع الاختيار على واحد بعينه للقيام بفريضة اجتماعية أصبح مسئولا عنها لفوره مسئوليته عن الركوع والسجود، وأصبح إحسانه لمهنته أى مهنة كإحسانه للصلاة. إن عبادة الله فى الحقل كعبادته فى المحراب، وعبادته فى المصنع كعبادته بالسعى والطواف. وتشبع المرء من الطعام ليقوى على الجهاد، كتقلله من الطعام فى عبادة الصيام، وصور الطاعات شتى، ومكان الإحسان فيها لا يتناهى. إن إجادة الأعمال كلها غاية من وجود الإنسان على ظهر هذه الأرض! (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير* الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) . ولما كان الإنسان خليفة لله فى أرضه، وكان تصرفه فى عناصرها أثرا من نفخة الروح الأعلى فيه، وكانت مرتبة الإحسان المنشودة له بعض ما يربطه بنسبه السماوى العريق، نسبة لله (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) . ومن هنا استحب الله له أن يتقن كل ما يصدر عنه، وألا يخرجه من بين يديه معيبا أو شائنا. فلو ذبح حيوانا ليأكله فليكن ذلك بأدب ولطف. رأى عمر بن الخطاب رجلا يقود شاة من رجلها ليذبحها فقال له: ويحك، قدها 064 إلى الموت قودا جميلا . وعن المسيب بن دار قال: رأيت عمر بن الخطاب ضرب جمالا وقال: لم تحمل على بعيرك ما لا يطيق؟ رواه ابن سعد فى الطبقات. وعن عاصم بن عبيد القه بن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رجلا حد شفرة وأخذ شاة ليذبحها فضربه عمر بالدرة وقال: أتعذب الروح؟ ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها ؟ وعن وهب بن كيسان أن ابن عمر رأى راعى غنم فى مكان قبيح، وقد رأى ابن عمر مكانا أمثل منه، فقال ابن عمر، ويحك يا راعى حولها فإنى سمعت رسول الله يقول: " كل راع مسئول عن رعيته ". ولو أنفذ القصاص فى قاتل فليس القصد إزهاق روحه بأى وسيلة وإن كان مجرما بل يجب إقامة أمر الله بنزاهة وترفع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " . وقال: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " . والإتقان لا يتأتى بالادعاء والجهالة، فإن لكل عمل أرضى أو سماوى قواعد يصح بها، وتدرك بالتعلم والمران. *
قوانين الإحسان وأخطاره:
Página 54