Janaqu Clavos de la Tierra
الجنقو مسامير الأرض
Géneros
ظهرت مهنة تنظيف الملاين مع ظهور البنك، وشركة الاتصالات، وقدوم موظفي طلمبة المواد البترولية، وإنشاء محلية حديثة ، وتوظيف عدد من خريجي الجامعات القادمين من المدن الكبرى كضباط إداريين، ثم توسيع حامية الحلة، ومدها بضباط حربيين في رتب كبيرة، حدث ذلك في بحر السنوات العشر الأخيرة، كانت مهنة سرية ابتكرها ضابط إداري منعم قدم من أم درمان، قابل ود أمونة مصادفة ذات يوم في منزله يصنع حلوى تنظيف الشعر الزائد لزوجته من السكر، والليمون، والقرنفل، وهي خلطة اشتهر بها ود أمونة في تلك الأنحاء من الشرق، ومنذ النظرة الأولى لمظهر ود أمونة الخارجي، وطريقة كلامه، ولو أن شاربه ينبئ بذكورية بغيضة، إلا أن خبرة الضابط الإداري استطاعت أن تنفذ إلى ما وراء الرموز، وبكل شجاعة طلب من ود أمونة عندما يكمل صنع الحلوى أن ينتظره في الديوان، ثم عند الديوان حكى له عن عبده زهرة، الذي كان يقدم له وللمسئولين الكبار والوزراء وأصحاب الشركات التي هي الآن ملء السمع والبصر، بل لرؤساء سابقين أيضا، خدمة لا تقدر بثمن، وأنه افتقده الآن في البلد الكرور دي، بلد إذا ربطوا فيها الحمار يقطع الحبل ويهرب.
وتفهم ود أمونة سر العلاقة ما بين اسمه وعبده زهرة الذي ربما يكون اسما آخر، ولكن حوره الضابط الإداري الذكي لكي يقرب مسافة الفهم لود أمونة، شك ود أمونة في بادئ الأمر في نوايا ومقاصد الرجل، وظنه يريد خدمة سريرية مريبة، ولكن بحمد الله تم التقاط الفكرة، إلا أن ود أمونة لم يقم بهذا العمل من قبل، فأنى له! - ح أعلمك، دي مهنة تجيب الدهب، وهي برضو مهنة شريفة زي عمل الحلاق وتحتاج لفنيات بسيطة.
ثم أخذ الضابط التنفيذي يصطاد الزبائن لود أمونة؛ حتى يخلق له سوقا تجعل المهنة مستدامة، لها جمهورها وسوقها؛ حتى لا ينصرف عنها ود أمونة.
صيد الحلوف
أصبحت الأعشاب عالية، كأعلى ما يكون، الخريف في هذا العام كان مكتملا، والأمطار غزيرة، توقفت المواصلات من وإلى كل المدن والقرى؛ مما خلق ندرة في موارد الغذاء؛ حيث كنا نعتمد على اللواري السفرية في مدنا بما نحتاج إليه من دقيق يرسله لنا الأصدقاء، أو التجار ، وكي لا نموت من الجوع اتفق الجنقوجورا الذين معي في التاية بأن نقوم بصيد الحلوف، وهو الخنزيز البري، المتوفر في تلك الأنحاء بكثرة، اللذيذ اللحم، ويعتقد الجنقو أن كبده يقوي النظر، على الرغم من صعوبة وخطورة صيده إلا أن كل جنقجوراي يدعي أنه الأكثر مهارة في ذلك، ويحفظ من الحكايات ما يبرر ادعاءه.
كان معي بالتاية خمسة من الجنقو، أنا ومختار علي وعبدارامان البلالاوي، الذي تزوج قبل شهور من كلتومة بت بخيتة النوباوية، وما زلنا ندعوه بالعريس، ورجل كان يعمل بالجيش سنوات طويلة، وهو الآن بالمعاش نسميه حمريطي نسبة للونه الذي يميل للحمرة، وامرأة شابة اسمها حواية بت الملايكة، أنا الجنقوجوراي الوحيد الذي يعترف بأنه لم يحصل لي شرف صيد هذا المخلوق أو أكله؛ لذا لم أكن طرفا في النقاش الحاد الذي دار بين الجنقو بما فيهم بت الملايكة، عما إذا كان الحلوف يدخل ويخرج من حفرته برأسه أولا أم بمؤخرته؟ واحتد النقاش لدرجة أن وصف بعضهم البعض بصفات مثل: هوان، وتعيس، وود البقس، شربنا ما توافر لنا من مريسة أمبلبل، وحملنا فئوسنا وسكاكيننا وتوغلنا في الغابة. الحلوف حيوان ضخم، قد يكبر إلى أن يصبح في حجم عجل البقر مع قوة، وقصر في القوائم، له حوافر قوية صلبة ونابان معكوفان حادان بارزان كأنهما قرنا ثور في زاويتي فمه يستعملهما دائما في الدفاع عن نفسه؛ حيث يمكن بضربة واحدة من أي من النابين أن تقتل الضبع بشق بطنه إلى نصفين؛ لذا تتجنب كل الحيوانات الدخول في معركة مع هذا الحيوان الشرس ذي اللحم اللذيذ الممتنع، عدوه الوحيد هو الجنقوجوراي الذي يبتكر شتى الحيل للإيقاع به، ولكن الجنقو في ذلك اليوم كانوا منشغلين بإثبات أحد الأمرين أكثر مما كانوا منشغلين بالإيقاع بالحلوف في الفخ، الكل يريد أن يبرهن بأنه الأعرف بالحلوف، عداي؛ فقد كنت أريد لحما يكفي لإطعام فريق العمل لأكثر من أسبوع إلى أن تجف الأرض وتستطيع اللواري السير، وظللت أنبههم بين الفينة والأخرى إلى أهمية التركيز على صيد الحيوان ، لكنهم كانوا جميعا قد اتفقوا على أنهم سوف يصطادونه على أي حال، ولكن بعد أن يتأكدوا من كيفية دخوله لحفرته؛ لأن الأمر أصبح موضوع كرامة وتحد، ووجدنا حفرة الحلوف، علق الجنقو العارفون به: إنه خارج حفرته، ولكنه قريب جدا منها، أثره ورائحته يدلان على ذلك، وما علق من صوفه على الشجيرات الشوكية القريبة يدل على أنها الأنثى، مما يعني أن الذكر قد يكون بالداخل، هذا كان متفقا عليه من الجميع، ودون مغالطات، أو تشكك، أو حتى احتمالات، طلبوا مني أن أبقى بعيدا، ويستحسن أن أصعد شجرة لالوب قريبة، أي أن أبقى أبعد ما يكون حتى لا يصيبني الحيوان الشرس الغبي، فإصاباته بالغة في كل الأحوال.
توزع الجنقو الثلاثة بطريقة مدروسة حول الحفرة، وطلبوا من بت الملايكة أن تبحث عن الحيوان متتبعة رائحته وأثره، وعندما تجده ما عليها سوى أن تقف في الاتجاه المعاكس لحفرته، وأن ترميه بحجر من على بعد كاف؛ كي يهرب عائدا مباشرة إلى حفرته، وهنا يتنظره الجنقو، ليتأكدوا من الطريقة التي يدخل بها إلى حفرته، أبرأسه أم بمؤخرته؟ ثم بعد أن يدخل سوف يعالجون مسأله صيده، ولو أن صيد الحلوف لا يتم بتلك الطريقة؛ كما أخبرني مختار علي، وتعلمت فيما بعد أنه يتم بأن يسد مدخل حفرته بحجارة، وأشواك، وأحطاب ضخمة، وعندما يأتي مندفعا لدخولها، فإنه يفاجأ بأن مدخلها مسدود، فيتردد ريثما يعيد ترتيب أموره، أو يحدد وجهة أخرى يهرب إليها، هنا يهاجمه الجنقو ضربا بالفئوس، إلى أن يموت، بينما كنا صامتين، متوترين، مترقبين قدوم الحلوف خطرت فكرة لا يعلم أحد ما هي إلى ذهن عبدارمان البلالاوي، وسوف لا يعلم أحد كنهها فيما بعد، على مرأى من الجميع تحرك من موقعه الكائن خلف شجرة تنضب كبيرة تقع وراء حفرة الحلوف، مشى نحو مدخلها كأنما كان يريد أن يتأكد من شيء، قال البعض: إنه ربما أحس بحركة الحلوف في الداخل؛ لأنه كان أقرب الناس إلى الحفرة، كما أن موقعه كان أعلاها، ولكن الشيء الغريب الذي حدث هو أنه في اللحظة التي قصد فيها عبدارامان البلالاوي مدخل الحفرة خرج الحلوف الذكر مندفعا في جنون، صدمه برأسه القوي الضخم، أو أخذه: سيختلف الجنقو في هذا الأمر كثيرا، وانطلق به نحو الغابة في سرعة مرعبة، ودون تفكير اندفعنا جميعا خلفه في محاولة لإنقاذ عبدارامان المسكين الذي لم يجد الوقت حتى ليصرخ؛ لقد فاجأه الحيوان مفاجأة تامة، وكنا نتوقع أن يسقط من رأسه في كل لحظة إلا أننا ظللنا نجري في أثره إلى ما يقارب الساعة، كان أثر الحلوف على الأرض بينا؛ نسبة لأن الأرض مبتلة والعشب كثير، وأن الحيوان الثقيل يلقي بالعشب تحت قدميه وهو يمضي بعبدارامان، ورغم أننا أرهقنا تماما، فإننا واصلنا جرينا خلفهما في إصرار إلى أن انقضى اليوم كله، وكادت الشمس تغيب، وقد ابتعدنا كثيرا عن التاية باتجاه الغرب إلى أن وجدنا أنفسنا على مشارف جبل عسير، هنالك أوقفنا جنقوجوراي عجوز لا نعرفه، وجدناه مصادفة يتجول في تلك الأنحاء، وعندما عرف مقصدنا نصحنا بأن نعود، وأن ننسى موضوع عبدارامان المسكين، وذلك من أجل سلامتنا نحن؛ لأن الحلوف لا بد قد صعد به إلى الجبل حيث أسياده، وعندما سألت أنا بسذاجة وجهل عن ماهية أسياده، غمزني الجنقو أصحابي العارفون بمصائب الدهر وأسراره، فيما يعني: اسكت! إنهم ناس بسم الله الرحمن الرحيم.
وعرفت فيما بعد أنني كنت الوحيد الذي يجهل أن الجنقوجوراي العجوز، الذي ظهر لنا فجأة، ونصحنا بالعودة، كان هو نفسه من ناس بسم الله الرحمن الرحيم، فلقد جاء متنكرا في تلك الهيئة، في طريقنا إلى التاية كان الجميع يتحدثون عن مصير عبدارامان المحتوم، الذي يشبه مصائر كل أزواج كلتومة بت بخيتة النوباوية، لقد تأسفنا كثيرا لفقده، وترحمنا على روحه، ولكن الغريب في الأمر أن تلك المأساة لم تله الجنقو عن النقاش حول كيف يدخل الحلوف ويخرج من حفرته؛ حيث أقسم مختار علي أن الحلوف قد خرج من حفرته بمؤخرته، قبل أن يعتدل في لمح البصر ليخطف عبدارامان بمقدمة رأسه ويجري به إلى حيث لا يعلمون، ويصر جنقاويان على عكس ذلك، بت الملايكة، وأنا، والحق يقال: لم نر الحلوف أصلا، لا وهو يخرج من حفرته، ولا هو يخطف عبدارامان، ولا غير ذلك، لقد كانت بت الملايكة بعيدة تبحث عن الأنثى بين شجيرات الكتر، وأنا كنت منشغلا بأحزاني الخاصة، سابحا في حلم يقظة عصي على شجرة لالوب عملاقة نصحت بتسلقها، اكتفينا بسلحفاة صغيرة، ورل عجوز، قليل من الجراد، ساري الليل، وقطين بريين شحيمين، اصطادهما الجنقو.
بوشاي
بعد المعارك الطاحنة التي دارت بين الجنقو وكتيبة من الجيش ترتكز بحامية زهانة، انتبهت الحكومة المركزية لخطورة ما أسمته بالشفتة، أو النهب المسلح، وجرى الحديث عن القوى الخارجية التي تريد أن تطيح بالحكومة الوطنية، وإجهاض «المشروع الحضاري للدولة»، تحدثوا عن المعارضة، جبهة الشرق، الأسود الحرة، مؤتمر البجا، حركة العدل والمساواة وغيرهم وغيرهم، ثم حشر اسم إريتريا، وللتحلية، أو الواجب القومي، وتوحيد الجبهة الداخلية؛ ورد اسم دولة إسرائيل كجوز للتميمة لا بد منه، ولكن نسبة لخبرة الحكومة المركزية الكبيرة في مجال الحرب الأهلية؛ حيث إنها ظلت تحارب مواطنيها منذ الاستقلال إلى اليوم، كان أصحاب القرار يعرفون أن تمرد الجنقو ليس خلفه سوى الجنقو أنفسهم، وأن إخماده لا يتم بأسلوب قتل بعوضة بقنبلة نووية، كان الخريف قد أجهز على عيناته الأول جميعها، بل ومضى إلى ما بعد المنتصف، ونمت الأعشاب عالية، في طول أشجار الكتر والطلح، بل أصبحت بعض أعشاب العدار أطول من قطيات التايات، ولأن المطر غزير هذا العام؛ فقد دمر معظم الآفات التي تشكل خطورة على المحصول في مراحله الأولى، مثل الفأر وبعض أنواع الجراد، وهي في تشققات الأرض التي انسدت تماما بفعل السيول، وتصعب الحركة كلما ازداد المطر هطولا وتشربت التربة الطينية الخصبة السوداء بالماء.
Página desconocida