وكيف يخفى حمق جميل وهو القائل:
لا لا أبوح بحب بثنة إنها
أخذت علي مواثقا وعهودا
أيقول هذا البيت رجل رشيد كائنا ما كان قصده وذاهبا ما ذهب في معناه؟!
إنه كان مضرب المثل بحق على حماقة «كاتم السر» الذي يقسم ألا يبوح به، وهو في قسمه على الكتمان قد باح! •••
فجملة المفهوم من أوصافه وأخباره أنه كان فتى من الفتيان الذين تكتب لهم - أو تكتب عليهم - حياة الغرام.
فكان وسيما قسيما طويل القامة عريض المنكبين مدللا في نشأته منظورا إليه في بزته وعزة قومه، على ضعف في الخلق والعقل، يقعد به عن عظائم الأمور، ولا يكبح جماحه أن بدأت به غواية الهوى، فتمادت به إلى منتهاها، وكذلك رشحته النشأة والخلقة والخليقة ليكون جميل بثينة، وجاء العصر والجوار فزكيا هذا الترشيح وأوسعا له من مداه، فهو في دوره الذي تمثل لنا به في عالم الشعر غير غريب. •••
أما صاحبته بثينة فقد وصفها جميل بعين المحب ووصفها غيره كما يراها كل من رآها، فخلص لنا من جملة هذه الصفات أنها كانت «أدماء طوالة»، كما قال عمر بن أبي ربيعة، وأنها تفرع النساء طولا، كما قال الرجل الذي حمل إليها نعي جميل.
ومن كلام عمر وجميل معا يبدو لنا أنها كانت على سنة البدويات في التأبي والدلال الذي يشوبه الجفاء؛ فلما تصدى لها عمر بن أبي ربيعة، خرجت له في مباذلها لا تحفله وقالت له: «والله يا عمر لا أكون من نسائك اللاتي يزعمن أن قد قتلهن الوجد بك!»
وقال جميل:
Página desconocida