وهم فى الجاهلية الجهلاء لا يرجون جنة ولا يخافون نارا إذ لم يكن لهم ملك يمنعهم من أذى بعضهم بعضا، فقامت لهم حرمة الكعبة مقام حرمة الملك. هذا مع تنافسهم وتحاسدهم ومعاداتهم وأخذهم بالثأر، وبالجملة فهو سبب لقيام مصالح الناس فى أمر دينهم ودنياهم وآخرتهم: أما فى أمر الدين فإن به يقوم الحج وتتم المناسك، وأما فى أمر الدنيا فإنه تجبى إليه ثمرات كل شىء ويأمنون فيه، وأما فى الآخرة فلأن المناسك لا تقام إلا عنده، وهى سبب لعلو الدرجات وتكفير الخطيئات وزيادة الكرامات والمثوبات. انتهى.
بحروفه.
وروى عن الحسن البصرى أنه تلا هذه الآية ثم قال: لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة.
مطلب: وجه تسمية البيت الحرام كعبة
وفى تسمية البيت كعبة أقوال، فقيل: لتكعبه أى تربعه، يقال برد مكعب إذا طوى مربعا، وقيل لعلوه ونتوئه، ومنه سمى الكعب كعبا لنتوئه وخروجه من جانب القدم، يقال تكعبت الجارية إذا خرج نهداها، وقيل لانفرادها عن البيوت وارتفاعها. وذكر الأزرقى (رحمه الله) فى «تاريخه» أن الناس كانوا يبنون بيوتهم مدورة تعظيما للكعبة» (1).
مطلب: أول من بنى بيتا مربعا بمكة حميد بن زهير
وأول من بنى بيتا مربعا حميد بن زهير، فقالت قريش: ربع حميد بيتا، إما حياة وإما موتا (2).
وذكر أيضا أن شيبة بن عثمان كان يشرف فلا يرى بيتا مشرفا على الكعبة إلا أمر بهدمه.
ونقل عن جده عن يوسف بن ماهك قال: كنت جالسا مع عبد الله بن عمرو بن العاص فى ناحية المسجد الحرام إذ نظر إلى بيت على أبى قبيس مشرف على الكعبة فقال:
أبيت ذلك؟ قلت: نعم، فقال: إذا رأيت بيوت مكة قد علت أخشبيها كذا وفجرت بطونها أنهارا فقد أزف الأمر. أى: قرب (3).
Página 31