Tafsir al-Tabari
جامع البيان في تفسير القرآن
فوصف بالنوم الليل، ومعناه أنه هو الذي نام. وكما قال جرير بن الخطفي:
وأعور من نبهان أما نهاره
فأعمى وأما ليله فبصير
فأضاف العمى والإبصار إلى الليل والنهار، ومراده وصف النبهاني بذلك. القول في تأويل قوله تعالى: { وما كانوا مهتدين }. يعني بقوله جل ثناؤه: { وما كانوا مهتدين } ما كانوا رشداء في اختيارهم الضلالة على الهدى، واستبدالهم الكفر بالإيمان، واشترائهم النفاق بالتصديق والإقرار.
[2.17]
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف قيل: { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } وقد علمت أن الهاء والميم من قوله: { مثلهم } كناية جماعة من الرجال أو الرجال والنساء. «والذي» دلالة على واحد من الذكور؟ فكيف جعل الخبر عن واحد مثلا لجماعة؟ وهلا قيل: مثلهم كمثل الذين استوقدوا نارا وإن جاز عندك أن تمثل الجماعة بالواحد فتجيز لقائل رأى جماعة من الرجال فأعجبته صورهم وتمام خلقهم وأجسامهم أن يقول: كأن هؤلاء، أو كأن أجسام هؤلاء، نخلة. قيل: أما في الموضع الذي مثل ربنا جل ثناؤه جماعة من المنافقين بالواحد الذي جعله لأفعالهم مثلا فجائز حسن، وفي نظائره كما قال جل ثناؤه في نظير ذلك: تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت يعني كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت، وكقوله: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة بمعنى إلا كبعث نفس واحدة. وأما في تمثيل أجسام الجماعة من الرجال في طول وتمام الخلق بالواحدة من النخيل، فغير جائز ولا في نظائره لفرق بينهما. فأما تمثيل الجماعة من المنافقين بالمستوقد الواحد، فإنما جاز لأن المراد من الخبر عن مثل المنافقين الخبر عن مثل استضاءتهم بما أظهروا بألسنتهم من الإقرار وهم لغيره مستبطنون من اعتقاداتهم الرديئة، وخلطهم نفاقهم الباطن بالإقرار بالإيمان الظاهر. والاستضاءة وإن اختلفت أشخاص أهلها معنى واحد لا معان مختلفة. فالمثل لها في معنى المثل للشخص الواحد من الأشياء المختلفة الأشخاص. وتأويل ذلك: مثل استضاءة المنافقين بما أظهروه من الإقرار بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به قولا وهم به مكذبون اعتقادا، كمثل استضاءة الموقد نارا. ثم أسقط ذكر الاستضاءة وأضيف المثل إليهم، كما قال نابغة بني جعدة:
وكيف تواصل من أصبحت
خلالته كأبي مرحب
يريد كخلالة أبي مرحب، فأسقط «خلالة»، إذ كان فيما أظهر من الكلام دلالة لسامعيه على ما حذف منه. فكذلك القول في قوله: { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } لما كان معلوما عند سامعيه بما أظهر من الكلام أن المثل إنما ضرب لاستضاءة القوم بالإقرار دون أعيان أجسامهم حسن حذف ذكر الاستضاءة وإضافة المثل إلى أهله . والمقصود بالمثل ما ذكرنا، فلما وصفنا جاز وحسن قوله: { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } ويشبه مثل الجماعة في اللفظ بالواحد، إذ كان المراد بالمثل الواحد في المعنى. وأما إذا أريد تشبيه الجماعة من أعيان بني آدم أو أعيان ذوي الصور والأجسام بشيء، فالصواب من الكلام تشبيه الجماعة بالجماعة والواحد بالواحد، لأن عين كل واحد منهم غير أعيان الآخرين. ولذلك من المعنى افترق القول في تشبيه الأفعال والأسماء، فجاز تشبيه أفعال الجماعة من الناس وغيرهم إذا كانت بمعنى واحد بفعل الواحد، ثم حذف أسماء الأفعال، وإضافة المثل والتشبيه إلى الذين لهم الفعل، فيقال: ما أفعالكم إلا كفعل الكلب، ثم يحذف فيقال: ما أفعالكم إلا كالكلب أو كالكلاب، وأنت تعني: إلا كفعل الكلب وإلا كفعل الكلاب.
ولم يجز أن تقول: ما هم إلا نخلة، وأنت تريد تشبيه أجسامهم بالنخل في الطول والتمام. وأما قوله: { استوقد نارا } فإنه في تأويل أوقد، كما قال الشاعر:
Página desconocida