382

Tafsir al-Tabari

جامع البيان في تفسير القرآن

فلما أضاءت لنا سدفة

ولاح من الصبح خيط أنارا

وأما الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرب أو تسحر ثم خرج إلى الصلاة، فإنه غير دافع صحة ما قلنا في ذلك لأنه غير مستنكر أن يكون صلى الله عليه وسلم شرب قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة، إذ كانت الصلاة صلاة الفجر هي على عهده كانت تصلى بعد ما يطلع الفجر ويتبين طلوعه ويؤذن لها قبل طلوعه. وأما الخبر الذي روي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسحر وأنا أرى مواقع النبل، فإنه قد استثبت فيه، فقيل له: أبعد الصبح؟ فلم يجب في ذلك بأنه كان بعد الصبح، ولكنه قال: هو الصبح. وذلك من قوله يحتمل أن يكون معناه هو الصبح لقربه منه وإن لم يكن هو بعينه، كما تقول العرب: «هذا فلان شبها»، وهي تشير إلى غير الذي سمته، فتقول: «هو هو» تشبيها منها له به، فكذلك قول حذيفة: هو الصبح، معناه: هو الصبح شبها به وقربا منه .

وقال ابن زيد في معنى الخيط الأبيض والأسود ما: حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } قال: الخيط الأبيض الذي يكون من تحت الليل يكشف الليل، والأسود: ما فوقه. وأما قوله: { من الفجر } فإنه تعالى ذكره يعني: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود الذي هو من الفجر. وليس ذلك هو جميع الفجر، ولكنه إذا تبين لكم أيها المؤمنون من الفجر ذلك الخيط الأبيض الذي يكون من تحت الليل الذي فوقه سواد الليل، فمن حينئذ فصوموا، ثم أتموا صيامكم من ذلك إلى الليل. وبمثل ما قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { من الفجر } قال: ذلك الخيط الأبيض هو من الفجر نسبة إليه، وليس الفجر كله، فإذا جاء هذا الخيط وهو أوله فقد حلت الصلاة وحرم الطعام والشراب على الصائم. وفي قوله تعالى ذكره: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } أوضح الدلالة على خطأ قول من قال: حلال الأكل والشرب لمن أراد الصوم إلى طلوع الشمس لأن الخيط الأبيض من الفجر يتبين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر، وقد جعل الله تعالى ذكره ذلك حدا لمن لزمه الصوم في الوقت الذي أباح إليه الأكل والشرب والمباشرة. فمن زعم أن له أن يتجاوز ذلك الحد، قيل له: أرأيت إن أجاز له آخر ذلك ضحوة أو نصف النهار؟ فإن قال: إن قائل ذلك مخالف للأمة قيل له: وأنت لما دل عليه كتاب الله ونقل الأمة مخالف، فما الفرق بينك وبينه من أصل أو قياس؟ فإن قال: الفرق بيني وبينه أن الله أمر بصوم النهار دون الليل، والنهار من طلوع الشمس. قيل له: كذلك يقول مخالفوك: والنهار عندهم أوله طلوع الفجر، وذلك هو ضوء الشمس وابتداء طلوعها دون أن يتتام طلوعها، كما أن آخر النهار ابتداء غروبها دون أن يتتام غروبها. ويقال لقائلي ذلك: إن كان النهار عندكم كما وصفتم هو ارتفاع الشمس، وتكامل طلوعها وذهاب جميع سدفة الليل وغبس سواده، فكذلك عندكم الليل هو تتام غروب الشمس وذهاب ضيائها وتكامل سواد الليل وظلامه. فإن قالوا: ذلك كذلك. قيل لهم: فقد يجب أن يكون الصوم إلى مغيب الشفق وذهاب ضوء الشمس وبياضها من أفق السماء. فإن قالوا: ذلك كذلك، أوجبوا الصوم إلى مغيب الشفق الذي هو بياض. وذلك قول إن قالوه مدفوع بنقل الحجة التي لا يجوز فيما نقلته مجمعة عليه الخطأ والسهو على تخطئته. وإن قالوا: بل أول الليل ابتداء سدفته وظلامه ومغيب عين الشمس عنا.

قيل لهم: وكذلك أول النهار: طلوع أول ضياء الشمس ومغيب أوائل سدفة الليل. ثم يعكس عليه القول في ذلك، ويسئل الفرق بين ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله. وأما الفجر، فإنه مصدر من قول القائل: تفجر الماء يتفجر فجرا: إذا انبعث وجرى، فقيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلع الشمس فجر، لانبعاث ضوئه عليهم وتورده عليهم بطرقهم ومحاجهم تفجر الماء المنفجر من منبعه. وأما قوله: { ثم أتموا الصيام إلى الليل } فإنه تعالى ذكره حد الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل، كما حد الإفطار وإباحة الأكل والشرب والجماع وأول الصوم بمجيء أول النهار وأول إدبار آخر الليل، فدل بذلك على أن لا صوم بالليل كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم، وعلى أن المواصل مجوع نفسه في غير طاعة ربه. كما: حدثنا هناد، قال: ثنا أبو معاوية ووكيع وعبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمرو، عن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم "

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا أبو إسحاق الشيباني، وحدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو عبيدة وأبو معاوية، عن شيبان، وحدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو معاوية، وحدثني أبو السائب ، قال: ثنا ابن إدريس، عن الشيباني قالوا جميعا في حديثهم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير وهو صائم، فلما غربت الشمس قال لرجل:

" انزل فاجدح لي "

قالوا: لو أمسيت يا رسول الله فقال:

" انزل فاجدح "

Página desconocida