Tafsir al-Tabari
جامع البيان في تفسير القرآن
[البقرة: 1] من المعاني بعد تقضي الخبر عنه { بألم } ، فصار لقرب الخبر عنه من تقضيه كالحاضر المشار إليه، فأخبر عنه بذلك لانقضائه ومصير الخبر عنه كالخبر عن الغائب. وترجمه المفسرون أنه بمعنى «هذا» لقرب الخبر عنه من انقضائه، فكان كالمشاهد المشار إليه بهذا نحو الذي وصفنا من الكلام الجاري بين الناس في محاوراتهم، وكما قال جل ذكره:
واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار * هذا ذكر
[ص: 48-49] فهذا ما في «ذلك» إذا عنى بها «هذا». وقد يحتمل قوله جل ذكره: { ذلك الكتاب } أن يكون معنيا به السور التي نزلت قبل سورة البقرة بمكة والمدينة، فكأنه قال جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد اعلم أن ما تضمنته سور الكتاب التي قد أنزلتها إليك هو الكتاب الذي لا ريب فيه. ثم ترجمه المفسرون بأن معنى «ذلك»: «هذا الكتاب»، إذ كانت تلك السور التي نزلت قبل سورة البقرة من جملة جميع كتابنا هذا الذي أنزله الله عز وجل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان التأويل الأول أولى بما قاله المفسرون لأن ذلك أظهر معاني قولهم الذي قالوه في ذلك. وقد وجه معنى ذلك بعضهم إلى نظير معنى بيت خفاف بن ندبة السلمي:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها
فعمدا على عين تيممت مالكا
أقول له والرمح يأطر متنه
تأمل خفافا إنني أنا ذلكا
كأنه أراد: تأملني أنا ذلك. فرأى أن «ذلك الكتاب» بمعنى «هذا» نظير ما أظهر خفاف من اسمه على وجه الخبر عن الغائب وهو مخبر عن نفسه، فلذلك أظهر «ذلك» بمعنى الخبر عن الغائب، والمعنى فيه الإشارة إلى الحاضر المشاهد. والقول الأول أولى بتأويل الكتاب لما ذكرنا من العلل. وقد قال بعضهم: { ذلك الكتاب }: يعني به التوراة والإنجيل، وإذا وجه تأويل ذلك إلى هذا الوجه فلا مؤنة فيه على متأوله كذلك لأن «ذلك» يكون حينئذ إخبارا عن غائب على صحة. القول في تأويل قوله تعالى: { لا ريب فيه }. وتأويل قوله: { لا ريب فيه }: «لا شك فيه»، كما: حدثني هارون بن إدريس الأصم، قال: حدثنا عبد الرحمن المحاربي، عن ابن جريج، عن مجاهد { لا ريب فيه } ، قال: لا شك فيه. حدثني سلام بن سالم الخزاعي، قال: حدثنا خلف بن ياسين الكوفي، عن عبد العزيز بن أبي رواد عن عطاء: { لا ريب فيه } قال: لا شك فيه. حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، قال: { لا ريب فيه }: لا شك فيه. حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { لا ريب فيه }: لا شك فيه. حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { لا ريب فيه } قال: لا شك فيه. حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: { لا ريب فيه } يقول لا شك فيه. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة: { لا ريب فيه } يقول: لا شك فيه. وحدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه عن الربيع بن أنس قوله: { لا ريب فيه } يقول: لا شك فيه. وهو مصدر من قولك: رابني الشيء يريبني ريبا. ومن ذلك قول ساعدة بن جؤية الهذلي:
فقالوا تركنا الحي قد حصروا به
Página desconocida