Tafsir al-Tabari
جامع البيان في تفسير القرآن
لدينا ولا مقلية إن تقلت
يعني تقليت، وأما «الحسن» فإن القراءة اختلفت في قراءته، فقرأته عامة قراءة الكوفة غير عاصم: «وقولوا للناس حسنا» بفتح الحاء والسين. وقرأته عامة قراء المدينة: { حسنا } بضم الحاء وتسكين السين. وقد روي عن بعض القراء أنه كان يقرأ: «وقولوا للناس حسنى» على مثال «فعلى». واختلف أهل العربية في فرق ما بين معنى قوله: حسنا، وحسنا.
فقال بعض البصريين: هو على أحد وجهين: إما أن يكون يراد بالحسن الحسن، وكلاهما لغة، كما يقال: البخل والبخل. وإما أن يكون جعل الحسن هو الحسن في التشبيه، وذلك أن الحسن مصدر، والحسن هو الشيء الحسن، ويكون ذلك حينئذ كقولك: «إنما أنت أكل وشرب»، وكما قال الشاعر:
وخيل قد دلفت لها بخيل
تحية بينهم ضرب وجيع
فجعل التحية ضربا. وقال آخر: بل «الحسن» هو الاسم العام الجامع جميع معاني الحسن، «والحسن» هو البعض من معاني الحسن، قال: ولذلك قال جل ثناؤه إذ أوصى بالوالدين: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا يعني بذلك أنه وصاه فيهما بجميع معاني الحسن، وأمر في سائر الناس ببعض الذي أمره به في والديه فقال: { وقولوا للناس حسنا } يعني بذلك بعض معاني الحسن. والذي قاله هذا القائل في معنى «الحسن» بضم الحاء وسكون السين غير بعيد من الصواب، وأنه اسم لنوعه الذي سمي به. وأما «الحسن» فإنه صفة وقعت لما وصف به، وذلك يقع بخاص. وإذا كان الأمر كذلك، فالصواب من القراءة في قوله: «وقولوا للناس حسنا» لأن القوم إنما أمروا في هذا العهد الذي قيل لهم: وقولوا للناس باستعمال الحسن من القول دون سائر معاني الحسن، الذي يكون بغير القول، وذلك نعت لخاص من معاني الحسن وهو القول. فلذلك اخترت قراءته بفتح الحاء والسين، على قراءته بضم الحاء وسكون السين. وأما الذي قرأ ذلك: «وقولوا للناس حسنى» فإنه خالف بقراءته إياه كذلك قراءة أهل الإسلام، وكفى شاهدا على خطأ القراءة بها كذلك خروجها من قراءة أهل الإسلام لو لم يكن على خطئها شاهد غيره، فكيف وهي مع ذلك خارجة من المعروف من كلام العرب؟ وذلك أن العرب لا تكاد أن تتكلم بفعلى وأفعل إلا بالألف واللام أو بالإضافة، لا يقال: جاءني أحسن حتى يقولوا الأحسن، ولا يقال أجمل حتى يقولوا الأجمل وذلك أن الأفعل والفعلى لا يكادان يوجدان صفة إلا لمعهود معروف، كما تقول: بل أخوك الأحسن، وبل أختك الحسنى، وغير جائز أن يقال: امرأة حسنى، ورجل أحسن. وأما تأويل القول الحسن الذي أمر الله به الذين وصف أمرهم من بني إسرائيل في هذه الآية أن يقولوه للناس، فهو ما: حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: { وقولوا للناس حسنا } أمرهم أيضا بعد هذا الخلق أن يقولوا للناس حسنا: أن يأمروا بلا إله إلا الله من لم يقلها ورغب عنها حتى يقولوها كما قالوها، فإن ذلك قربة من الله جل ثناؤه. وقال الحسن أيضا: لين القول من الأدب الحسن الجميل، والخلق الكريم، وهو مما ارتضاه الله وأحبه.
حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: { وقولوا للناس حسنا } قال: قولوا للناس معروفا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج: { وقولوا للناس حسنا } قال: صدقا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم. وحدثت عن يزيد بن هارون، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول في قوله: { وقولوا للناس حسنا } قال: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر. حدثني هارون بن إدريس الأصم، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، قال: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سألت عطاء بن أبي رباح، عن قول الله جل ثناؤه: { وقولوا للناس حسنا } قال: من لقيت من الناس فقل له حسنا من القول. قال: وسألت أبا جعفر، فقال مثل ذلك. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا القاسم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن أبي جعفر وعطاء بن أبي رباح في قوله: { وقولوا للناس حسنا } قال: للناس كلهم. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء مثله. القول في تأويل قوله تعالى: { وأقيموا الصلاة }. يعني بقوله: { وأقيمو الصلاة } أدوها بحقوقها الواجبة عليكم فيها. كما: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن مسعود، قال: { وأقيموا الصلاة } هذه، وإقامة الصلاة تمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها. القول في تأويل قوله تعالى: { وآتوا الزكاة }. قد بينا فيما مضى قبل معنى الزكاة وما أصلها. وأما الزكاة التي كان الله أمر بها بني إسرائيل الذين ذكر أمرهم في هذه الآية، فهي ما: حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { وآتوا الزكاة } قال: إيتاء الزكاة ما كان الله فرض عليهم في أموالهم من الزكاة، وهي سنة كانت لهم غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم كانت زكاة أموالهم قربانا تهبط إليه نار فتحملها، فكان ذلك تقبله، ومن لم تفعل النار به ذلك كان غير متقبل. وكان الذي قرب من مكسب لا يحل من ظلم أو غشم، أو أخذ بغير ما أمر الله به وبينه له. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال : حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { وآتوا الزكاة } يعني بالزكاة: طاعة الله والإخلاص. القول في تأويل قوله تعالى: { ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون }. وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن يهود بني إسرائيل أنهم نكثوا عهده ونقضوا ميثاقه، بعدما أخذ الله ميثاقهم على الوفاء له بأن لا يعبدوا غيره، وأن يحسنوا إلى الآباء والأمهات، ويصلوا الأرحام، ويتعطفوا على الأيتام، ويؤدوا حقوق أهل المسكنة إليهم، ويأمروا عباد الله بما أمرهم الله به ويحثوهم على طاعته، ويقيموا الصلاة بحدودها وفرائضها، ويؤتوا زكاة أموالهم.
فخالفوا أمره في ذلك كله، وتولوا عنه معرضين، إلا من عصمه الله منهم فوفى لله بعهده وميثاقه. كما: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس، قال: لما فرض الله جل وعز عليهم يعني على هؤلاء الذين وصف الله أمرهم في كتابه من بني إسرائيل هذا الذي ذكر أنه أخذ ميثاقهم به، أعرضوا عنه استثقالا وكراهية، وطلبوا ما خف عليهم إلا قليلا منهم، وهم الذين استثنى الله فقال: { ثم توليتم } يقول: أعرضتم عن طاعتي { إلا قليلا منكم } قال: القليل الذين اخترتهم لطاعتي، وسيحل عقابي بمن تولى وأعرض عنها يقول: تركها استخفافا بها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عن عكرمة، عن ابن عباس: { ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون } أي تركتم ذلك كله. وقال بعضهم: عنى الله جل ثناؤه بقوله: { وأنتم معرضون } اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنى بسائر الآية أسلافهم كأنه ذهب إلى أن معنى الكلام: { ثم توليتم إلا قليلا منكم } ثم تولى سلفكم إلا قليلا منهم، ولكنه جعل خطابا لبقايا نسلهم على ما ذكرناه فيما مضى قبل. ثم قال: وأنتم يا معشر بقاياهم معرضون أيضا عن الميثاق الذي أخذ عليكم بذلك وتاركوه ترك أوائلكم. وقال آخرون: بل قوله: { ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون } خطاب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل، وذم لهم بنقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم في التوراة وتبديلهم أمر الله وركوبهم معاصيه.
[2.84]
قال أبو جعفر: قوله: { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم } في المعنى والإعراب نظير قوله:
Página desconocida