Tafsir al-Tabari
جامع البيان في تفسير القرآن
ومنه قول الراجز:
فصد عن نهج الصراط القاصد
والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرنا غنى عما تركنا. ثم تستعير العرب الصراط فتستعلمه في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوج باعوجاجه. والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي، أعني: { اهدنا الصراط المستقيم } أن يكون معنيا به: وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قول وعمل. وذلك هو الصراط المستقيم، لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء، فقد وفق للإسلام، وتصديق الرسل، والتمسك بالكتاب، والعمل بما أمر الله به، والانزجار عما زجره عنه، واتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهاج أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وكل عبد لله صالح. وكل ذلك من الصراط المستقيم. وقد اختلفت تراجمة القرآن في المعنى بالصراط المستقيم، يشمل معاني جميعهم في ذلك ما اخترنا من التأويل فيه. ومما قالته في ذلك، ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وذكر القرآن فقال:
" هو الصراط المستقيم "
حدثنا بذلك موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال: حدثنا حسين الجعفي، عن حمزة الزيات، عن أبي المختار الطائي، عن ابن أخي الحرث، عن الحرث، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحدثنا عن إسماعيل بن أبي كريمة، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن الحرث، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا حمزة الزيات، عن أبي المختار الطائي، عن ابن أخي الحرث الأعور، عن الحرث، عن علي، قال: «الصراط المستقيم كتاب الله تعالى». حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان ح. وحدثنا محمد بن حميد الرازي، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: «الصراط المستقيم كتاب الله».
حدثني محمود بن خداش الطالقاني، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، قال: حدثنا علي والحسن ابنا صالح جميعا، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله. اهدنا الصراط المستقيم قال: الإسلام، قال: هو أوسع مما بين السماء والأرض. حدثنا أبو كريب، قال : حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: قال جبريل لمحمد: قل يا محمد: اهدنا الصراط المستقيم، يقول ألهمنا الطريق الهادي وهو دين الله الذي لا عوج له. وحدثنا موسى بن سهل الرازي، قال: حدثنا يحيى بن عوف، عن الفرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس في قوله: { اهدنا الصراط المستقيم } قال: ذلك الإسلام. وحدثني محمود بن خداش، قال: حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي، عن إسماعيل الأزرق، عن أبي عمر البزار، عن ابن الحنفية في قوله: { اهدنا الصراط المستقيم } قال: هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره. وحدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن طلحة القناد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { اهدنا الصراط المستقيم } قال: هو الإسلام. وحدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس في قوله: اهدنا الصراط المستقيم قال: الطريق. حدثنا عبد الله بن كثير أبو صديف الآملي، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا حمزة بن أبي المغيرة، عن عاصم، عن أبي العالية في قوله: { اهدنا الصراط المستقيم } قال: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده: أبو بكر وعمر. قال: فذكرت ذلك للحسن، فقال: صدق أبو العالية ونصح. وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم: { اهدنا الصراط المستقيم } قال: الإسلام. حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، أن عبد الرحمن بن جبير، حدثه عن أبيه، عن نواس بن سمعان الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" ضرب الله مثلا صراطا مستقيما "
. والصراط: الإسلام. حدثنا المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال : حدثنا الليث عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه عن نواس بن سمعان الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. قال أبو جعفر: وإنما وصفه الله بالاستقامة، لأنه صواب لا خطأ فيه. وقد زعم بعض أهل الغباء أنه سماه مستقيما لاستقامته بأهله إلى الجنة، وذلك تأويل لتأويل جميع أهل التفسير خلاف، وكفى بإجماع جميعهم على خلافه دليلا على خطئه.
[1.7]
وقوله: { صراط الذين أنعمت عليهم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين } إبانة عن الصراط المستقيم أي الصراط هو، إذ كان كل طريق من طرق الحق صراطا مستقيما، فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: اهدنا يا ربنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، بطاعتك وعبادتك من ملائكتك، وأنبيائك، والصديقين، والشهداء، والصالحين. وذلك نظير ما قال ربنا جل ثناؤه في تنزيله:
Página desconocida