Tafsir al-Tabari
جامع البيان في تفسير القرآن
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: { ثم توليتم } ثم أعرضتم. وإنما هو «تفعلتم» من قولهم: ولاني فلان دبره: إذا استدبر عنه وخلفه خلف ظهره، ثم يستعمل ذلك في كل تارك طاعة أمر بها عز وجل معرض بوجهه، يقال: قد تولى فلان عن طاعة فلان، وتولى عن مواصلته. ومنه قول الله جل ثناؤه:
فلمآ آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون
[التوبة: 76] يعني بذلك: خالفوا ما كانوا وعدوا الله من قولهم:
لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين
[التوبة: 75] ونبذوا ذلك وراء ظهورهم، ومن شأن العرب استعارة الكلمة ووضعها مكان نظيرها، كما قال أبو ذؤيب الهذلي:
فليس كعهد الدار يا أم مالك
ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل
سوى الحق شيئا واستراح العواذل
يعني بقوله: «أحاطت بالرقاب السلاسل» أن الإسلام صار في منعه إيانا ما كنا نأتيه في الجاهلية مما حرمه الله علينا في الإسلام بمنزلة السلاسل المحيطة برقابنا التي تحول بين من كانت في رقبته مع الغل الذي في يده وبين ما حاول أن يتناوله. ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى، فكذلك قوله: { ثم توليتم من بعد ذلك } يعني بذلك أنكم تركتم العمل بما أخذنا ميثاقكم وعهودكم على العمل به بجد واجتهاد بعد إعطائكم ربكم المواثيق على العمل به والقيام بما أمركم به في كتابكم فنبذتموه وراء ظهوركم. وكني بقوله جل ذكره: «ذلك» عن جميع ما قبله في الآية المتقدمة، أعني قوله:
Página desconocida