Tafsir al-Tabari
جامع البيان في تفسير القرآن
[الأعراف: 20] وأنه قاسمهما إني لكما لمن الناصحين مدليا لهما بغرور. ففي إخباره جل ثناؤه عن عدو الله أنه قاسم آدم وزوجته بقيله لهما:
إني لكما لمن الناصحين
[الأعراف: 21] الدليل الواضح على أنه قد باشر خطابهما بنفسه، إما ظاهرا لأعينهما، وإما مستجنا في غيره. وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقال: قاسم فلان فلانا في كذا وكذا، إذا سبب له سببا وصل به إليه دون أن يحلف له.
والحلف لا يكون بتسبب السبب، فكذلك قوله: فوسوس إليه الشيطان، لو كان ذلك كان منه إلى آدم على نحو الذي منه إلى ذريته من تزيين أكل ما نهى الله آدم عن أكله من الشجرة بغير مباشرة خطابه إياه بما استزله به من القول والحيل، لما قال جل ثناؤه:
وقاسمهمآ إني لكما لمن الناصحين
[الأعراف: 21] كما غير جائز أن يقول اليوم قائل ممن أتى معصية: قاسمني إبليس أنه لي ناصح فيما زين لي من المعصية التي أتيتها، فكذلك الذي كان من آدم وزوجته لو كان على النحو الذي يكون فيما بين إبليس اليوم وذرية آدم لما قال جل ثناؤه:
وقاسمهمآ إني لكما لمن الناصحين
[الأعراف: 21] ولكن ذلك كان إن شاء الله على نحو ما قال ابن عباس ومن قال بقوله. فأما سبب وصوله إلى الجنة حتى كلم آدم بعد أن أخرجه الله منها وطرده عنها، فليس فيما روي عن ابن عباس ووهب بن منبه في ذلك معنى يجوز لذي فهم مدافعته، إذ كان ذلك قولا لا يدفعه عقل ولا خبر يلزم تصديقه من حجة بخلافه، وهو من الأمور الممكنة. والقول في ذلك أنه قد وصل إلى خطابهما على ما أخبرنا الله جل ثناؤه، وممكن أن يكون وصل إلى ذلك بنحو الذي قاله المتأولون بل ذلك إن شاء الله كذلك لتتابع أقوال أهل التأويل على تصحيح ذلك، وإن كان ابن إسحاق قد قال في ذلك ما: حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق في ذلك، والله أعلم، كما قال ابن عباس وأهل التوراة: أنه خلص إلى آدم وزوجته بسلطانه الذي جعل الله له ليبتلي به آدم وذريته، وأنه يأتي ابن آدم في نومته وفي يقظته، وفي كل حال من أحواله، حتى يخلص إلى ما أراد منه حتى يدعوه إلى المعصية، ويوقع في نفسه الشهوة وهو لا يراه، وقد قال الله: { فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا } وقال:
يابني ءادم لا يفتننكم الشيطان كمآ أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهمآ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أوليآء للذين لا يؤمنون
[الأعراف: 27] وقد قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام:
Página desconocida