Tafsir al-Tabari
جامع البيان في تفسير القرآن
إنك أنت العليم الحكيم
[البقرة: 32] قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه وألجأه إلى جنسه.
وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن قتادة في قوله: { وعلم ءادم الأسمآء كلها } قال: علمه اسم كل شيء: هذا جبل، وهذا بحر، وهذا كذا وهذا كذا، لكل شيء، ثم عرض تلك الأشياء على الملائكة فقال: { أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صدقين }. وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن جرير بن حازم ومبارك، عن الحسن، وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا: علمه اسم كل شيء: هذه الخيل، وهذه البغال، والإبل، والجن، والوحش وجعل يسمي كل شيء باسمه. وحدثت عن عمار، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه، عن الربيع، قال: اسم كل شيء. وقال آخرون: علم آدم الأسماء كلها، أسماء الملائكة. ذكر من قال ذلك: حدثت عن عمار، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: { وعلم ءادم الأسمآء كلها } قال: أسماء الملائكة. وقال آخرون: إنما علمه أسماء ذريته كلها. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { وعلم ءادم الأسمآء كلها } قال: أسماء ذريته أجمعين. وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بما دل على صحته ظاهر التلاوة قول من قال في قوله: { وعلم ءادم الأسمآء كلها } إنها أسماء ذريته وأسماء الملائكة، دون أسماء سائر أجناس الخلق. وذلك أن الله جل ثناؤه قال: { ثم عرضهم على الملئكة } يعني بذلك أعيان المسمين بالأسماء التي علمها آدم، ولا تكاد العرب تكني بالهاء والميم إلا عن أسماء بني آدم والملائكة وأما إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الخلق، سوى من وصفنا، فإنها تكني عنها بالهاء والألف، أو بالهاء والنون، فقالت: عرضهن، أو عرضها. وكذلك تفعل إذا كنت عن أصناف من الخلق، كالبهائم والطير وسائر أصناف الأمم، وفيها أسماء بني آدم والملائكة، فإنها تكني عنها بما وصفنا من الهاء والنون، أو الهاء والألف. وربما كنت عنها إذ كان كذلك بالهاء والميم، كما قال جل ثناؤه:
والله خلق كل دآبة من مآء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع
[النور: 45] فكني عنها بالهاء والميم، وهي أصناف مختلفة فيها الآدمي وغيره. وذلك وإن كان جائزا فإن الغالب المستفيض في كلام العرب ما وصفنا من إخراجهم كناية أسماء أجناس الأمم إذا اختلطت بالهاء والألف، أو الهاء والنون. فلذلك قلت: أولى بتأويل الآية أن تكون الأسماء التي علمها آدم أسماء أعيان بني آدم وأسماء الملائكة. وإن كان ما قال ابن عباس جائزا على مثال ما جاء في كتاب الله من قوله:
والله خلق كل دآبة من مآء فمنهم من يمشي على بطنه
[النور: 45] الآية. وقد ذكر أنها في حرف ابن مسعود: «ثم عرضهن»، وأنها في حرف أبي: «ثم عرضها».
ولعل ابن عباس تأول ما تأول من قوله: علمه اسم كل شيء حتى الفسوة والفسية على قراءة أبي، فإنه فيما بلغنا كان يقرأ قراءة أبي. وتأويل ابن عباس على ما حكي عن أبي من قراءته غير مستنكر، بل هو صحيح مستفيض في كلام العرب على نحو ما تقدم وصفي ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: { ثم عرضهم على الملئكة }. قال أبو جعفر: قد تقدم ذكرنا التأويل الذي هو أولى بالآية على قراءتنا ورسم مصحفنا، وأن قوله: { ثم عرضهم } بالدلالة على بني آدم والملائكة أولى منه بالدلالة على أجناس الخلق كلها، وإن كان غير فاسد أن يكون دالا على جميع أصناف الأمم للعلل التي وصفنا. ويعني جل ثناؤه بقوله: { ثم عرضهم } ثم عرض أهل الأسماء على الملائكة. وقد اختلف المفسرون في تأويل قوله: { ثم عرضهم على الملئكة } نحو اختلافهم في قوله: { وعلم ءادم الأسمآء كلها } وسأذكر قول من انتهى إلينا عنه فيه قول. حدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق عن الضحاك، عن ابن عباس: { ثم عرضهم على الملئكة } ثم عرض هذه الأسماء يعني أسماء جميع الأشياء التي علمها آدم من أصناف جميع الخلق. وحدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { ثم عرضهم } ثم عرض الخلق على الملائكة. وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أسماء ذريته كلها أخذهم من ظهره. قال: ثم عرضهم على الملائكة. وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة: { ثم عرضهم } قال: علمه اسم كل شيء ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة. وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: { ثم عرضهم } عرض أصحاب الأسماء على الملائكة. وحدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا مسلم، قال: حدثنا محمد بن مصعب، عن قيس، عن خصيف عن مجاهد { ثم عرضهم على الملئكة } يعني عرض الأسماء الحمامة والغراب. وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن جرير بن حازم، ومبارك عن الحسن، وأبي بكر عن الحسن، وقتادة قالا: علمه اسم كل شيء هذه الخيل وهذه البغال وما أشبه ذلك، وجعل يسمي كل شيء باسمه، وعرضت عليه أمة أمة. القول في تأويل قوله تعالى: { فقال أنبئوني بأسمآء هؤلاء }. قال أبو جعفر: وتأويل قوله: { أنبئوني } أخبروني، كما: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثمان، قال: حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { أنبئوني } يقول: أخبروني بأسماء هؤلاء.
ومنه قول نابغة بني ذبيان:
وأنبأه المنبىء أن حيا
Página desconocida