وكان حقّ علم القراءات أن نعنى به أشدّ عناية، كما عني به سلفنا الصالح، لأنه من أوثق العلوم صلة بكتاب الله تعالى. وشرف العلم من شرف موضوعه، وأنه به يعرف تاريخ هذا القرآن الكريم، وتواتر نقله جيلا بعد جيل، وبه يعرف الصحيح من الشاذ، وما تصح به الصلاة وما لا تصح من القراءة.
هذا وقد وردت الأحاديث الشريفة تحث على الاشتغال بالقرآن وترغّب في قراءته وإقرائه، وتعلّمه وتعليمه، منها ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم عن أنس
﵁، عن رسول الله ﷺ، قال: «إن لله أهلين من الناس، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته» «١».
ومنها ما أخرجه الطبراني عن ابن مسعود ﵁، عن رسول الله ﷺ، قال: «خيركم من قرأ القرآن وأقرأه» «٢».
ومنها ما أخرجه البخاري، واللفظ له، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان، ﵁، عن النبي ﷺ قال:
«خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه». قال وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا «٣».
ثم إن علم القراءات سند لكثير من استنباطات الفقهاء وحجة العديد من فروع الفقه وقضاياه، حيث إنه باختلاف القراءات يظهر الاختلاف في الأحكام، ولهذا بنى الفقهاء نقض وضوء الملموس وعدمه على اختلاف القراءات في لامستم ولامستم «٤» [النساء: ٤٣] وكذلك جواز وطء الحائض عند الانقطاع وعدمه إلى الغسل على اختلافهم في حتّى يطهرن «٥» [البقرة: ٢٢٢].
_________
(١) انظر: مسند الإمام أحمد ٣/ ١٢٧، ١٢٨، ٢٤٢، وسنن ابن ماجة: المقدمة باب فضل من تعلم القرآن وعلمه. قال محمد فؤاد عبد الباقي في الزوائد: إسناده صحيح. وانظر: مستدرك الحاكم ١/ ١٥٦. وحسّن الحافظ العراقي إسناد الحديث. انظر: فيض القدير للمناوي ٣/ ٦٧.
(٢) بإسناد جيد. انظر: النشر ١/ ٣.
(٣) انظر: صحيح البخاري، فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وسنن أبي داود:
الصلاة، باب في ثواب قراءة القرآن، وجامع الترمذي: فضائل القرآن، باب ما جاء في تعليم القرآن، وسنن ابن ماجة، المقدمة، فضل من تعلم القرآن وعلمه.
(٤) ينظر: اختلاف القراء فيها في النشر ٢/ ٢٥٢، واختلاف المفسرين والفقهاء في تفسير الطبري ١/ ١٠١، والمغني لابن قدامة ١/ ١٨٦.
(٥) انظر: اختلاف القراء فيها في النشر ٢/ ٢٢٧، واختلاف المفسرين والفقهاء في تفسير الطبري ٢/ ٣٨٦، والمغني ١/ ٣٥٣.
1 / 4