وقال بعض المتفقهين من مخالفينا: إن هذا مخصوص في أهل الطاعة دون غيرهم؛ لأن القرآن لا يتناقض. والحجة فيما رأيت من قول الله: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها}، إنما قيل: إنهم الذي أسلموا من أهل الأرض طوعا وفد عبد القيس، وفيهم نزلت على ما قيل. وقال النبي ^: «أنتم وإخوانكم الأنصار» فصاروا مخصوصين؛ لأنه لم يسلم من في الأرض كلهم جميعا طوعا، ولا أسلموا جميعا طوعا وكرها، وهذا له معنيان؛ لأن القرآن لا ينقض بعضه بعضا؛ لأن قول من قال: إن قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} معناه: إلا ليطيعون جميعا، ولم يطيعوا جميعا، وكان قوله: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}، وقد أراد الطاعة كما قال من زعم أنه أراد الطاعة من الجميع، وأراد العبادة من الجميع؛ لأنه خلقهم لذلك ولم يفعلوا. كان في قياد قول هذا القائل: إن الجن والإنس قد فعلوا خلاف ما أراد الله منهم، وكانت إرادتهم غالبة لإرادة الله فيهم، وفعلهم خلافا لما خلقهم له، وكانوا قد أكرهوا عليه، وكان في قوله ذلك غير صادق، جل الله وعز.
فلما لم يجز هذا القول لقائله، وكان قول الله: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} صدقا، وهو صادق غير كاذب، ولم ينقض القرآن بعضه بعضا، دل ذلك أنه لو أراد الإيمان من العاصين ممن خلق من الجن والإنس لآمنوا كلهم جميعا، ولكن لم يرد ذلك؛ لأنه قال: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} يدل أنه لم يشأ الإيمان من الجميع، وكان قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} له معان:
- إما مخصوص في بعض المؤمنين.
Página 111