205

فإن قال: فإن أصحاب أبي حنيفة يجيزون التطهر بالنبيذ، قيل له: إنهم لم يبيحوا ذلك لاستحقاق اسم الماء، وإنما أجازوا ذلك بسنة ادعوها، والكلام بيننا وبينهم فيها. والدليل على أنهم لم يبيحوا ذلك من طريق الإسم، وأنهم قالوا: التطهر بالنبيذ واجب عند عدم الماء ففي ذلك دلالة لأنهم (¬1) لم يجيزوه من طريق الاسم. والدليل على ما قلناه أن الله عز وجل خاطبنا بما يعقل (¬2) العرب في لغتها؛ والعرب تعقل بالمقيد ما لا تعقله بالمطلق، وتعقل بالمطلق ما لا تعقله بالمقيد، الدليل على هذا قول الله تعالى: ? { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم } (¬3) . فأخبر أن اليهود قالت، وأطلق القول إطلاقا، ولم يفت كيف الوجه الذي استحق القول به هذا الاسم. إلا أن الإطلاق يوجد (نسخة) يوجب في اللغة أن القول هو قول باللسان واعتقاد بالقلب، وقال في موضع آخر: { ?يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } (¬4) ، فلم يطلق القول حتى قيده؛ لأن (¬5) لا يتوهم أحد أنه أراد بالقول كما خبر عن اليهود فقيده ولم يطلق. وقال في موضع آخر: { ?يقولون في أنفسهم } (¬6) فسمى اعتقاد الضمائر قولا، ولا يطلقه إذ لو قال لحكمنا أنهم قالوا: بألسنتهم واعتقدوا بقلوبهم، فلما أراد القول الذي لا يرد بورود الإطلاق قيده، ولما كان القول المطلق معقولا (¬7) في اللغة، وهو قول باللسان واعتقاد بالقلب لم يحتج إلى شرحه وتبيينه عندما خبر عن اليهود ما خبر، وإذا كان هذا هكذا ثبت أن المطلق يعقل ما لا يعقل بالمقيد؛ وأن المقيد يعقل به ما لا يعقل بالمطلق، وبالله التوفيق.

¬__________

(¬1) في (ج) أنهم.

(¬2) في (ج) تعقل.

(¬3) المائدة: 64.

(¬4) آل عمران: 197.

(¬5) في (ج) لئلا.

(¬6) المجادلة: 8.

(¬7) في (ب) مفعولا.

Página 205