آثمين بذلك إن علموا أن أحدا يظلمهم ويأخذ منهم بسببه شيئا يقوى به على ظلمه لكان الله تبارك وتعالى يقطع الغيث ولا ينزله، ولا ينبت به العشب إذا كان يعلم أن الكفار يزرعون به وتكثر عليهم أموالهم وتسمن به مواشيهم ويزيد عددهم، وفي ذلك قوتهم على عدوهم من المسلمين، ألا ترى أنه لو قطع عنهم المطر لهلكوا في بواديهم؛ فإن قال: فمن أين جاز للمسلم أن يقيم في بلد يعلم أنه يظلم فيه ويناله بسبب إقامته الظلم والذل (¬1) ؟ قيل له: لا يحرم على المسلم أن يفعل فعلا تناله منفعة جزيلة وينجو به من ذل الفقر. فإن (¬2) كان يعلم أنه يناله بعض الذل والظلم، إذا كان يعلم الذي يناله من عز الغنى أكثر كما يجوز للمسلم أن يعمل لأهل الذمة؛ إذا كان احتاج عملا ينال به عزا يرفعه عن الفقر ومسألة الناس. وإن كان في ذلك إذلال النفس واحتمال المكروه الذي هو دون غيره إذا كانت نيته أن يزرع لمنفعة نفسه وستر عياله، ولو لزم هذا لكان لا يجوز للمسلمين تخليص أسراهم من يد عدوهم بمال إذا قدروا على ذلك؛ لأن في ذلك تقوية لهم وإعانة منهم على أنفسهم، وقد أباح الله جل ذكره معاداة المشركين في كتابه فقال: { ?حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق. فإما منا بعد وإما فداء } (¬3) ، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ورجع قوم منهم فحاربوهم، ولم يكن نيته عليه السلام تقوية منه لهم ولا تقوية على محاربته. وإنما كانت إرادته منهم التوبة التي كان يرجوها منهم، فإن قال: فلم منعتم من حمل السلاح والطعام إليهم؟ قيل له: أما في غير المحاربة فلسنا نمنع من ذلك إلا أن يكون الحامل ينوي بذلك معونة لهم به وتقويتهم، فحينئذ لا يجوز؛ وأما في وقت الحرب فلا يجوز ذلك للإجماع من الأمة ولولا الإجماع لكان جائزا، ومع ذلك فإن منع الإمام يوجب ترك الركون (¬4)
¬__________
(¬1) في (ج) الذل والظلم.
(¬2) في (ج) وإن.
(¬3) سورة محمد: 4.
(¬4) في (ب) و (ج) الركوب..
Página 134