فإن قال: فإن أخذه الجبار بمال ولم يكن عنده إلا وديعة لغيره، هل كان عليه أن يفدي نفسه بها؟ قيل له: نعم ويضمن؛ فإن قال: فهل له أن لا يسلمها حتى يقتل؟ قيل له: ليس له أن يقاتل عليها إذا كان عنده أنه ألا يتخلص من القتل ويؤخذ فلا يبقى ولا تبقى هي أيضا، وإنما يجوز له أن يقاتل عليها وعلى ماله، وإذا كان بين الخوف والرجاء، فأما إذا كان العدو عشرة وهو وحده وليس في عادته عند القتال أن يغلب عند القتال اثنين منهم، كان محاربته إياهم قتلا منه لنفسه، فإن قال: فإن طولب بمال ولم يجد إلا مالا لغيره هل يقصد إليه فيأخذ منه ويخلص به نفسه، قيل له: نعم وعليه الضمان، فإن قال: ولم أبحتم له أخذ مال غيره ليحيي به نفسه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه)؟ قيل له: على صاحب هذا المال إذا علم بظلم الجبار، وأنه يريد قتله، وقد على تخليصه به، كان عليه أن يخلصه من القتل بهذا المال كما قلنا فيما تقدم من كلامنا في أول المسألة، وأيضا فلا خلاف بين أهل العلم أن رجلا لو كان في سفر أو حضر وعدم الطعام وخاف على نفسه الهلاك من الجوع، ولم يجد ما يأكله إلا مال رجل مسلم أنه يأكل منه بغير رأي صاحبه، ويضمن، ويحيي نفسه من الموت، ولا أعلم في هذا اختلافا بين أهل العلم واختلفوا فيه إذا وجد الميتة وهو يقدر على أكلها ووجد طعاما لرجل مسلم فقال أكثر العلماء: يأكل من المال ويضمن ولا يأكل من الميتة. فإذا كان الإجماع من الناس على أن للإنسان أن يحيي نفسه بمال غيره من الطعام؛ الذي هو مال بغير رأي صاحبه، كان إحياؤه نفسه بمال غيره جائز وعليه أن يضمن.
Página 130