اتفق أصحابنا فيما علمت أن الحاكم إذا استحلف الرجل على دعوى، فقد قطع الخصومة بينه وبين خصمه بعد أن يحتج على المدعي: هل لك بينة؟ فإن ادعى بينة فأهدرها ورضي باليمين بدلا من إقامة البينة، فإذا أهدر ببينته وأبطلها لم يسمع منه الحاكم البينة بعد اليمين. ونحو هذا يقول به داود (¬1) بن علي. وأما أبو حنيفة والشافعي، فيسمعان البينة بعد اليمين ويحتجان بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (شاهدا عدل خير من يمين فاجرة) (¬2) ؛ وهذا الخبر إن صح طريقه فيحتمل التأويل والقول بما قاله أصحابنا: إن اليمين جعلت لقطع الخصومة، وهي أيضا في معنى الإبراء من الدعوى، ألا ترى أنه لو أنكر فقال المدعي: قد أبرأته من دعواي ثم أقام البينة لم يسمعها منه، فكذلك إذا استحلفه لم يسمع (¬3) البينة؛ لأنه رضي باليمين. فهذا يدل على أن اليمين جعلت لقطع الخصومة والله أعلم.
ويدل على ذلك أيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه آت فقال له: "يا رسول الله إن فلانا أخذ مالي منعني حقي، أو قال: جحدني أو كلام هذا معناه. فقال له النبي علية السلام: أعندك بينة؟ قال: لا، قال: فيمينه، قال يا رسول الله: إذا يحلف ويذهب مالي، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك إلا ذلك" (¬4) ، فهذا يدل على أنه ليس للمدعي بعد اليمين غيرها بقول النبي صلى الله عليه وسلم "ليس لك إلا ذلك" والله أعلم.
مسألة
¬__________
(¬1) داود الظاهري.
(¬2) رواه الترمذي.
(¬3) في (ج) تسمع.
Página 114