على عصمتهم من الصغائر بالمصير إلى امتثال أفعالهم، واتباع آثارهم وسيرهم مطلقًا. وجمهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة من غير التزام قرينة (أي دالة على إرادة امتثال أفعالهم)، بل مطلقًا عند بعضهم وإن اختلفوا في حكم ذلك. وحكى ابن خُوَيْز مِنْداد، وأبو الفرج عن مالك، التزامَ ذلك وجوبًا، وهو قولُ الأبهري وابن القصار وأكثر أصحابنا وأكثر أهل العراق وابن سريج والإصطخري وابن خَيران من الشافعية. وأكثر الشافعية على أن ذلك ندب". (١)
قال: "ونزيد هذا حجةً بأن نقول: مَنْ جوَّز الصغائرَ ومَنْ نفاها عن نبينا ﵇ مجمعون على أنه لا يُقِرُّ على مُنكَرٍ من قول أو فعل، وأنه متى رأى شيئًا فسكت ﷺ عنه دلَّ على جوازه، فكيف يكون هذا حالُه في حقِّ غيره، ثم يجوز وقوعُه منه؟ " (٢)
قال: "فقد عُلم من دأب الصحابة [قطعًا] الاقتداءُ بأفعال النبي ﷺ كيف توجهت، وفي كل فن، كالاقتداء بأقواله. فقد نبذوا خواتمهم حين نبذ خاتمه، [وخلعوا نعالهم حين خلع نعله. . .] واحتجَّ غيرُ واحدٍ منهم في غير شيء مما بابُه العبادةُ أو العادة، بقوله: رأيت رسول الله ﷺ فعله. . . والآثارُ في هذا أعظمُ من أن نُحيط بها، لكنه يُعلم من مجموعها على القطع اتباعُهم أفعالَه واقتداؤهم بها". (٣)
ثم قال: "فبان لك عظيمُ فضل الله على نبينا ﵇ وعلى سائر أنبيائه ﵈ بأن جعل أفعالَهم قرباتٍ وطاعات بعيدةً عن وجه المخالفة ورسم المعصية". (٤)