الحديث وأصول الفقه أن الجرح إذا صدر من أهل المعرفة مقدَّمٌ على التعديل الصادر منهم، فيقدم الجرح لدى غير الطائفتين المجرحين والمعدلين، أي لدى مَنْ يعتمد على أقوال أئمة هذا العلم. وهذه القاعدةُ مسلمةٌ معمولٌ بها. (١)
ولم يزل أئمةُ العلماء، مثل مالك وأصحابه والبخاري ومسلم، يتحَرَّوْن في أخذ الحديث أن يكون [راويه] من أهل العدالة والضبط والبصر بالرجال. وقد ترجم مسلم في مقدمة صحيحه: "باب النهي عن الرواية عن الضعفاء ومن يرغب عن حديثهم"، و"أن الإسناد عن رسول الله ﷺ هو من الدين، فلا يقبل فيه إلا الثقات الأثبات". (٢) ورُوِيَ عن ابن سيرين أنه قال: "إن هذا العلم [يعني الحديث] دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم". (٣)
وروى ابنُ وهب عن مالك ﵀ أنه قال: "أدركتُ بالمدينة أقوامًا لو استُسقيَ بِهم القطرُ لسقوا، قد سمعوا الحديثَ كثيرًا، ما حدَّثْتُ عن أحدٍ منهم شيئًا؛ لأنهم كانوا ألزموا أنفسَهم خوفَ الله والزهد. وهذا الشأن - يعني الحديث والفتيا - يحتاج إلى رجل معه تُقًى وورع، وصيانة وإتقان، وفهم وعلم، فيعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليه غدًا". (٤)
وروى مسلم عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: "لم نر أهلَ الخير في شيء أكذبَ منهم في الحديث"، (٥) يريد أنهم يكذبون عن توهم وغلط وحسن ظن بمن يروون لهم شيئًا لا عن عمد، إذ لو كان عن عمد لم يكونوا أهلَ الخير.