Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Géneros
ويفصل الأفغاني دعوته لاتحاد الفرس مع الأفغان في آسيا، مثل دعوته لوحدة وادي النيل في أفريقيا، الأولى نواة لوحدة المشرق الإسلامي والثانية دولة - قاعدة لوحدة المغرب الإسلامي. ولما كانت مصر بين آسيا وأفريقيا فإن نواة الوحدة الإسلامية في المشرق والمغرب هي مصر. ويصدر الأفغاني ودعوته بحديث
إذا أراد الله بقوم خيرا جمع كلمتهم . والتعبير عن سروره بخدمة الجرائد الفارسية لأوطانها واعتدالها ونقلها بعض أبواب العروة الوثقى إلى الفارسية تنبيها للمسلمين، وإنارة للعقول من أجل تعميم الفائدة. واللغة الفارسية في الشرق كاللغة الفرنسية في الغرب تعبر عن إبداع القرائح السليمة خاصة فيما يتعلق بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية وإحياء الرابطة الملية بين المسلمين خاصة بين الإيرانيين والأفغانيين. وهما فرعان لشجرة واحدة وشعبتان لأصل واحد، هو الأصل الفارسي القديم. ومن الطبيعي أن تكون المبادرة من الإيرانيين. فالعلماء من فارس: البخاري، ومسلم، والنيسابوري، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، وأبو داود، والبغوي، والبلخي، والكليني، والرازي الطبيب، والرازي المفسر، والغزالي، والإسفراييني، والبيضاوي، والطوسي، والأبهري، والإيجي، وابن سينا، والسهروردي، وكثير من المحدثين من العلماء والمفسرين والمتكلمين والفلاسفة والصوفية. وكانوا أول من خدم اللسان العربي وضبط أصوله مثل سيبويه، وأبو علي الفارسي، والرضي، والجرجاني، والجوهري، والفيروزآبادي، والزمخشري، والكسائي، والأصفهاني، والهمذاني من علماء القرآن والبلاغة، والطبري، والإصطخري، والقزويني من المؤرخين والجغرافيين، والشيلي، والبسطامي، والهروي، أستاذ ابن عربي من الصوفية، والبزدوي، والآمدي، والميرغناني، والسرخسي، والتفتازاني، والشريف، والأبيوردي من الفقهاء، والقطب، والصدر الشيرازي، وميرباقر، وميرفندركس من الحكماء . لذلك قال الرسول:
لو كان العلم في الثريا لناله رجال من فارس . فالفرس مهيئون للمبادرة للوحدة الدينية كما أبدعوا في العالم، واسترجاع فتوة الإسلام الأولى، والوحدة مع الأفغان والتحالف معهم على مقاومة المعتدين. وقد تم استيلاء الإنجليز على الممالك الهندية بسبب الخلاف بين الفرس والأفغان، وكل مسلم في الهند ينظر إليهم. وحدة الفرس والأفغان هو السد المنيع الذي يحمي الهند من الشمال ضد الغزو الأجنبي، وأمير الأفغان والأفغان من أشد الناس عداوة للإنجليز. فلو اتحد الأمير مع الشاه لوجدت قوة إسلامية في المشرق نواة لتوحيده، وكانت رصيدا للمسألة المصرية. مهمة الفرس بيان أسس هذا الاتحاد وأهميته وضرورته. وقد بدأ الروس الهجوم على الهند وأوروبا مشغولة بمقاصدها. فاتحاد إيران وأفغانستان تدعيم لمقاومة الهند للغزو الروسي خاصة وأن الهند بعيدة عن روسيا، وجبالها وعرة، ولا سبيل إلى الوصول إلى الهند إلا عبر فارس وأفغانستان. وليس من المعقول أن تستعمر روسيا الهند عن طريق إيران وأفغانستان ومشاركتهما في الغنيمة. ورابطة الدين الإسلامي أقوى الروابط بين الفرس والأفغان والهنود، وترك الخلاف المذهبي الفرعي إلى المصالح العامة والدفاع عن الأوطان. وقد اختلف الألمان في الدين المسيحي كما يختلف الإيرانيون مع الأفغان في الإسلام ولم يكن لهذا الاختلاف الفرعي أساس في الوحدة السياسية، توحد الألمان بعد أن ضعفوا، ولم يكن لهم دور في السياسة الأوروبية. فراعوا الوحدة الوطنية في المصالح العامة. واللسان الفارسي هو لسان الطائفتين، وبالتالي تكون مهمة الجرائد الفارسية العمل لهذه الدعوة.
6
واضح أن الأفغاني يؤسس الدعوة للوحدة على الرصيد التاريخ الحضاري والثقافة المشتركة بين الشعوب الإسلامية، كما يعتمد على التجارب الأوروبية المعاصرة، مثل الوحدة الألمانية من أجل تدعيم الوحدة الإسلامية.
ويستبعد الأفغاني كون الفرس من الشيعة والأفغان من السنة أن يكون ذلك مانعا من الوحدة بينهما كما لم تكن البروتستانتية والكاثوليكية مانعتين من وحدة الشعب الألماني؛ فقد ظهرت أحزاب وشيع منها من ضلت مثل المؤلهة التي تقول بألوهية علي، والمفضلة والغلاة في محبة آل البيت طريقا للقول المأثور
يهلك فينا أهل البيت، محب غال، ومبغض غال . المفضلة من الشيعة يقلدون جعفر الصادق، من كبار فقهاء آل البيت، يغالون في تفضيل علي، ولكنهم لا يخرجون على الأمة. إنما هي فروع أوجبت الخصام؛ فالاقتتال لجهل الأمة وسفه الملوك الطامعين في توسيع الممالك، ملوك السنة هولوا وعظموا أمر الشيعة لاستهواء العامة بأوهام ضد توسيع شيعة آل البيت ليتسنى لهم قتالهم، فيقتل المسلمون بعضهم بعضا بحجة الشيعة والسنة، والكل موحد بالله، مؤمن بالكتاب والسنة. أما مسألة تفضيل علي والانتصار له يوم قتال معاوية، والخروج عليه فلو كانت في هذا الزمن مفيدة ولإحقاق الحق فإنها لم تعد كذلك اليوم ولا ينشأ منها إلا الضرر وتفكيك عرى وحدة الأمة. فهل لو أجمع أهل السنة اليوم، ووافقوا المفضلة، وأقروا بأولوية علي بالخلافة قبل أبي بكر فهل يحسن ذلك حال السنة والشيعة؟ ولو وافقت الشيعة أهل السنة على أولوية أبي بكر وأحقه بالخلافة فهل ينهض أهل السنة مما وقعوا فيه من مذلة وهوان؟ لا يرضى علي عن الشيعة إذا قاتلوا أهل السنة لمجرد تفضيله على أبي بكر، ولا يرضى أبو بكر أن تدافع أهل السنة عنه، وتقاتل الشيعة لأفضليته التي تخالف روح القرآن، وأن المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، إن قصة التفضيل لو استحقت البحث لكفى أن يقال لحلها إن أقصر الخلفاء الراشدين عمرا تولى الخلافة قبل أطولهم عمرا. فلو تولى الخلافة علي لمات أبو بكر وعمر وعثمان ولم يتيسر لهم خدمة الإسلام.
7
يقدم الأفغاني هنا حجة الأمر الواقع على حجة شرعية الفكر، ومقياس المنفعة وأولويته على الضرر، والزمن الحاضر وأوليته على الماضي، وضرورة الوحدة على الانقسام.
والدين واحد بالرغم من تعدده، والأديان متفقة في الهدف والقصد والغاية. هناك ثلاث ديانات كبرى: اليهودية النصرانية والإسلام، وكتبها السماوية: التوراة والإنجيل والقرآن، القصد منها واحد، إرشاد الخلق إلى الحق، وتوجيههم إلى الطريق المستقيم في العبادات والمعاملات، وبيان مشيئة الله في خلقه وصون مصالح العباد. وهو قصد واحد، ومشيئة واحدة. والكتب السماوية كلها تهدف إلى غاية واحدة. عبادة الله واحدة، والمعاد واحد ، أنانية الإنسان وحبه الذاتي ورغبته في البقاء بعد الموت، وكأن الأفغاني يؤسس العقائد في التجربة الإنسانية. لا يوجد في الأديان الثلاثة ما يخالف نفع مجموع البشر. الكل يعمل للخير المطلق، ودفع الشر ، وجلب المنافع، ودفع المضار. الأديان الثلاثة، الموسوية والعيسوية والمحمدية متفقة في المبدأ والغاية، وكل منها يكمل الآخر في الخير المطلق. وإذا قدم العهد ونشأ الطغيان أو سادت الكهانة ظهر نبي لإكمال الناقص، فوحدة الأديان طريق البشرية إلى السلام. القصد واحد وهو التحرر، كمال العقل الإنساني واستقلال الإرادة البشرية. فإذا ما ضعفت الإنسانية عبر التاريخ وقعت في الخرافة والجهل أو رضيت بالطغيان يظهر نبي يذكر بالقصد والغاية؛ فالوحي مربي الإنسانية.
Página desconocida