Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Géneros
ثم استدعاه ناصر الدين شاه الفرس إلى طهران. فغادر باريس والتقى في أصفهان بالأمير الذي عظمه وقدمه إلى طهران، وعهد له بنظارة الحربية مع لقب مستشار خاص للشاه. حاول الأفغاني تغيير كل قديم، ونصحه الشاه بالتدرج وعدم التسرع. ثم خاف الشاه من شعبيته وخشي على سلطانه. فتنكر له. فاستأذنه جمال الدين في السفر إلى روسيا. ونال هناك الاحترام والتقدير لما عرفوه عنه من أنه كان وزيرا أولا في عهد الأمير محمد أعظم خان، ونشره مقالات عن سياسة الأفغان والفرس والدولة العلية والروسية والإنجليزية ونفوره من سياسة الإنجليز في الشرق. ولما سأله القيصر عن سبب اختلافه مع الشاه وأجابه الحكومة الشورية . فأيد قيصر روسيا شاه إيران وأمر بإخراجه من روسيا. فجال في أوروبا، لندن وغيرها من العواصم مع كل إجلال وتقدير في أي مكان حل به، ناقدا استبداد الشاه، ومؤيدا لأحرار إيران للانقلاب على حكم الطغيان دون تدخل الإنجليز. ثم تصادف وجود الأفغاني في معرض باريس عام 1889م، فالتقى بالشاه في ميونخ، واعتذر له الشاه، وطلب منه العودة إلى طهران. فرجع معه لتنظيم الدولة. فسن لها قانونا تكون به الحكومة ملكية شورية. ثم أوغر صدر الشاه عليه من جديد، وخشي من تقلص سلطانه، فذهب الأفغاني إلى قرية بالقرب من طهران، وتابعه العلماء. ولما عظم أمره قبض عليه الشاه وأخرجته الشرطة إلى البصرة وهو مريض، فقامت ثورة في إيران من مريديه أخمدها الشاه. ثم قتله رجل من أهل فارس بطعنه ثأرا لجمال الدين.
13
وبعد أن غادر إلى لندن تلقى دعوة من السلطان عبد الحميد لزيارة الآستانة. وبعد إلحاح شديد قبل جمال الدين الدعوة وذهب إليها آخر عام 1892م، وليس عليه إلا جبة واحدة، وكتب في رأسه لكثرة نفيه من مكان إلى مكان. واستمر في نقد استبداد السلطان ناصر الدين الذي رجا السلطان عبد الحميد التدخل لدى جمال الدين لوقف الحملة عليه. ولما عاتبه أحد المنافقين أنه يلعب بالسبحة في حضرة السلطان رد عليه بأن السلطان يلعب بمقدرات الملايين دون اعتراض أحد. فعظمه السلطان عبد الحميد بالرغم من الدسائس. ولما طلب جمال الدين زيادة راتب أحد المصريين بالآستانة وعد السلطان ولم يفعل. فطلب جمال الدين الإذن بمقابلة السلطان وقد جرت العادة استقدام السلطان له. ودخل عليه جمال الدين عبوسا والسلطان بشوشا، وطلب خلع البيعة له. فاستعجب السلطان، وحقق وعده، واعتذر لجمال الدين. وناوله الحاجب عند خروجه كيسا ودنانير فرفض. ولما كانت هبة السلطان لا ترد فوزعها على طلاب العلم وأهل الفضل والأدب المعوزين. واستمرت العلاقة بين جمال الدين والسلطان بالرغم من دسائس الأمراء والحساد. فطالب جمال الدين بتخليص الحاشية من الخونة الدساسين. فعظم السلطان جمال الدين، وتذكر جده محمود وقت أن كان الفساد في الإنكشارية. وقد عم الآن الفساد في البلاط كله. ولكن المسئولية تقع على جمال الدين الذي اعتذر عن عدم قبول المشيخة لإصلاحها، ولا حل الآن إلا بحدوث أمر عظيم في أوروبا يشغلها عن السلطان وتعطيه الفرصة لإصلاح الدولة. وقد اعتذر جمال الدين؛ لأن وظيفة العالم مجرد الوعظ والإرشاد والتعليم. وقد مكث أربعة أعوام يعلم ويحذر حتى أصيب بسرطان في فكه الأسفل. وأجريت له ثلاث جراحات لم تنجح. فتوفي في 9 / 3 / 1897م.
14
وبالإضافة إلى رحلاته التي تجعل من الأفغاني رجل نظر وعمل، فكر وممارسة، هناك أيضا صفاته ومذهبه، وآماله ومقاصده، ومناقبه وأخلاقه، ومنزلته من العلم التي تحدد معالم شخصيته.
15
فمن صفاته وملامحه أنه عربي، قمحي اللون، عظيم الرأس، عريض الجبهة، واسع العينين، عظيم الأحداق، ضخم الوجنة، رحب الصدر، جليل النظرة، مسترسل الشعر، ينجذب إليه كل من يراه بهذه الملامح الأخاذة حتى قبل أن يتكلم.
وهو حنفي المذهب غير مقلد، سني العقيدة مع ميل إلى التصوف، حريص على الفرائض، حمي الدين. آماله ومقاصده إنهاض دولة الإسلام من ضعفها كي تلحق بالأمم الراقية، وحل العقول من الأوهام، وتوحيد الشرق كي يستعيد مجده، ومناهضة سياسة بريطانيا في الشرق، وبث الحياة في الناس بعيدا عن الخمول والكسل. ومن مناقبه احتفاؤه بزائريه، ونهوضه للاستقبال والوداع، وزيارة الصغير والكبير. لا يتكلم إلا الفصحى، ولا يتحدث بالعامية إلا مع العامي. يوضح مقصده كي يوصل فكره للناس. يخطب دون أن يمزح كثيرا. وهو رزين كتوم زاهد في الدنيا، لا مطالب له في زوج أو ولد أو منصب أو جاه. لذلك لم يتزوج ولم يتقلد وظيفة ثابتة.
ومن أخلاقه سلامة القلب، حرية الضمير، صدق الحجة، عفة النفس، رقة الجانب. وهو وديع حليم. فإذا مس كرامته أحد انقلب إلى غضب. يعتمد على الله وحده دون مبالاة لأي شخص آخر. وهو عظيم الأمانة، سهل مع من يلين له، صعب على من يستغلظ عليه. لديه قدر عظيم من العلوم مع بعض التسرع والعجلة للوصول إلى مقاصده. وهو قليل الحرص على الدنيا، لا يغتر بزخرفها ، مشغول بعظائم الأمور، ويعرض عن صغائرها. وهو ثابت الجأش، شجاع لا يهاب الموت، حاد المزاج لدرجة التهور ، فخور بنسبه الشريف دون ترفع. قد يكون في أخلاقه بعض التناقض. فهو كريم إلى حد الإسراف، بخيل إلى حد التقتير، متواضع لدرجة الذل، متكبر لدرجة التجبر، كتوم جهور. وهو التناقض الموجود في شخصية كل عظيم.
16
Página desconocida