313

Jalis Salih

الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

Editor

عبد الكريم سامي الجندي

Editorial

دار الكتب العلمية

Edición

الأولى ١٤٢٦ هـ

Año de publicación

٢٠٠٥ م

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

هَذَا الشَّهْر الْمُبَارَك، وَقَدْ رَقَقْتُ لأهل السجْن لما هُمْ فِيهِ من الضُّرِّ، ثُمّ لانضمام الصَّوْم عَلَيْهِم، وَقَدْ رَأَيْتُ أَن أُصَيِّرك إِلَيْهِم فتلهيَهُمْ بِالنَّهَارِ وَتصلي بهم اللَّيْل، وَكَانَ أشعب حَافِظًا لكتاب اللَّه، فَقَالَ: أوَ غَيْرُ ذَلِكَ - أصلح اللَّه الْأَمِير - قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أعطي اللَّه عهدا أَلا آكل مَضِيرَة جديٍ أبدا.
أول تَعَرُّفِ الشُّعَرَاء بِأبي تَمام
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَحْمُود الْخُزَاعيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الجَهْم، قَالَ: كَانَ الشعراءُ يَجْتَمعُونَ فِي كُلّ جمعةٍ فِي الْقُبَّةِ الْمَعْرُوفَة بهم فِي جَامع الْمَدِينَة، فيتناشدون الشّعْر ويَعْرِضُ كُلّ وَاحِد مِنْهُم عَلَى أَصْحَابه مَا أحدث من القَوْل بعد مفارقتهم فِي الْجُمُعَة الَّتِي قبلهَا.
فَبينا أَنَا فِي جُمُعَة من تِلْكَ الْجمع، ودعبل وأَبُو الشِّيص وَابْن أَبِي فنن يَجْتَمعُونَ وَالنَّاس يَسْتَمِعُون إنشاد بَعْضنَا بَعْضًا، أبصرتُ شابَّا فِي أخريات النَّاس جَالِسا فِي زِيّ الْأَعْرَاب وهيئتهم، فَلَمَّا قَطعنَا الإنشاد قَالَ لنا: قَدْ سَمِعْتُ إنشادكم مُنْذُ الْيَوْم، فَاسْمَعُوا إنشادي، قُلْنَا: هَات، فأنشدنا:
فَحْوَاكَ عينٌ عَلَى نَجْوَاك يَا مَذِلُ ... حَتَّامَ لَا يَنْقَضِي من قَوْلك الخطل
فَإِن أسمج من تَشْكُو إِلَيْهِ هَوًى ... مَنْ كَانَ أحسن شَيْء عِنْده العَذَلُ
كَأَنّما جادَ مَغْنَاهُ فغيَّرهُ ... دُموعُنا يَوْم بانوا وَهِي تنمهل
وَلَو تَرَانا وإيَّاهُمْ ومَوْقِفُنا ... فِي موقف الْبَين لاستهلالنا زجل
من حرقةٍ أطاعتها فرقةٌ أسرت ... قلبًا وَمن عذلٍ فِي نَحره غزل
وَقَدْ طوى الشوقُ فِي أحْشائنا بقرٌ ... عِينٌ طَوَتْهُن فِي أحشائها الْكِلَلُ
ثُمّ مر فِيهَا حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله فِي مدح المعتصم:
تَغَايَرَ الشِّعْرُ فِيهِ إذْ سَهِرْتُ لَهُ ... حَتَّى ظننتُ قوافِيهِ ستقْتَتِلُ
قَالَ: فعقد أَبُو الشيص عِنْد هَذَا البيتِ خنْصره ثُمّ مَرَّ فِيهَا إِلَى آخرهَا، فَقُلْنَا: زِدْنَا فأنشدنا:
دمنٌ أَلَمَّ بهَا فَقَالَ سلامٌ ... كم جلَّ عَقْد ضَمِيره الإلمامُ
ثُمّ أنشدناها إِلَى آخرهَا، وَهُوَ يمدح فِيهَا الْمَأْمُون، فاستزدناه فأنشدنا قصيدته الَّتِي أَولهَا:
قَدْك اتَّئِبْ أَرْبَيْتَ فِي الْغُلَوَاءِ ... كم تَعذِلُون وأنْتُمُ سُجَرَائِي
حَتَّى انْتهى إِلَى آخرهَا، فَقُلْنَا لَهُ: لمن هَذَا الشّعْر؟ فَقَالَ: لمن أنشدكموه، قُلْنَا: وَمن تكون؟ قَالَ: أَبُو تَمام حبيبُ بنُ أَوْس الطَّائِي، قَالَ أَبُو الشِّيص: تزْعم أَن هَذَا الشّعْر لَك وَتقول:
تَغَايَرَ الشِّعْرُ فِيهِ إذْ سَهِرْتُ لَهُ ... حَتَّى ظننتُ قوافِيهِ ستقْتَتِلُ

1 / 317