Jahiz: Líderes de la literatura (Primera parte)
الجاحظ: أئمة الأدب (الجزء الأول)
Géneros
نشأ الجاحظ بالبصرة نشأة فقير يعمل ليعيش، قد روي عنه أنه كان يبيع الخبز والسمك بسيحان (وسيحان نهر بالبصرة)، ثم انصرف إلى العلم والأدب، فطلبهما في البصرة وبغداد. تلقف الفصاحة من العرب شفاها بالمربد، وسمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري، وأخذ النحو عن أبي الحسن الأخفش، وكان صديقه، وأخذ الكلام عن النظام، وكل من هؤلاء إمام في فنه. وكان الجاحظ مشهورا بكثرة المطالعة، قيل إنه ما وقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائنا ما كان، حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للمطالعة.
وكذلك انقطع للعلم والتأليف، فأصبح فيهما علما وشاع ذكره، وأقبل الناس على تصانيفه، وصار لقاؤه شرفا. قال سلام بن زيد، أحد علماء الأندلس: كان طالب العلم بالمشرق يشرف عند ملوكنا بلقاء الجاحظ، فخرجت لا أعرج على شيء حتى قصدته وأقمت عليه عشرين سنة. وانفرد الجاحظ بآراء في التوحيد صارت مذهبا من مذاهب المعتزلة، وأخذ بأقواله جماعة عرفوا بالجاحظية. وأعجب المأمون بكتبه، وصدر في ديوان الرسائل أيام المأمون ثلاثة أيام، ثم استعفى فأعفي. وكان سهل بن هارون يقول: إن ثبت الجاحظ في هذا الديوان أفل نجم الكتاب.
ثم اتصل الجاحظ بمحمد بن عبد الملك الزيات، وزير المعتصم والواثق، ولازمه واختص به، وقدم إليه كتاب الحيوان، فلما قبض على ابن الزيات في خلافة المتوكل هرب الجاحظ، فقيل له: لم هربت؟ فقال: خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور؛ يريد ما صنع بابن الزيات وإدخاله تنور حديد فيه مسامير كان هو صنعه ليعذب الناس فيه، فعذب هو فيه حتى مات.
ولقد أصاب الجاحظ رشاش من هذه المحنة، فإنه جيء به مقيدا إلى القاضي أحمد بن أبي دواد بعد قتل ابن الزيات، فلما نظر إليه قال: والله ما علمتك إلا متناسيا للنعمة كفورا، للصنيعة، معدنا للمساوي. فقال له الجاحظ: خفض عليك - أيدك الله - فوالله لأن يكون لك الأمر علي خير من أن يكون لي عليك، ولأن أسيء وتحسن أحسن من أن أحسن فتسيء، وأن تعفو عني في حال قدرتك أجمل من الانتقام مني. فقال له ابن أبي دواد: قبحك الله، ما علمتك إلا كثير تزويق الكلام. ثم قال: جيئوا بحداد. فقال: أعز الله القاضي، ليفك عني أو ليزيدني؟ قال: بل ليفك عنك. فجيء بالحداد، فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ ويطيل أمره قليلا، فلطمه الجاحظ وقال: اعمل عمل شهر في يوم، وعمل يوم في ساعة، وعمل ساعة في لحظة؛ فإن الضرر على ساقي وليس بجذع ولا ساجة.
1
فضحك ابن أبي دواد وأهل المجلس منه، وقال ابن أبي دواد لبعض الحاضرين: أنا أثق بظرفه ولا أثق بدينه. ثم قال: يا غلام: صر به إلى الحمام، وأمط عنه الأذى، واحمل إليه تخت ثياب وطويلة وخفا. فلبس ذلك ثم أتاه، فتصدر في مجلسه، ثم أقبل عليه وقال: هات الآن حديثك يا أبا عثمان. واصطلحت الحال بينهما، وأهدى إليه الجاحظ كتاب البيان والتبيين.
واتصل الجاحظ أيضا بالفتح بن خاقان، وسافر معه إلى دمشق ووصف مسجدها في كتابه «البلدان»، كما أنه دخل معه أنطاكية، وشكا من براغيثها وبقها.
وهكذا قضى الجاحظ أيامه في العلم والأدب والتصنيف، حتى أصيب بالفالج في أعقاب عمره، وكان ذلك في أواخر خلافة المتوكل. قيل إن المتوكل وجه من يحمل الجاحظ إليه من البصرة، فقال لمن أراد حمله: وما يصنع أمير المؤمنين بامرئ ليس بطائل، ذي شق مائل، ولعاب سائل، وفرج بائل، وعقل حائل؟!
وقال المبرد: دخلت على الجاحظ في آخر أيامه، فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفه مفلوج لو حز بالمناشير ما شعر به، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذباب بقربه لآلمه، وأشد من ذلك ست وتسعون سنة أنا فيها؟! ثم أنشدنا:
أترجو أن تكون وأنت شيخ
Página desconocida