وقال متولي لحسان: نريد أن تكتب لنا عقد شركة بيني وبين توفيق بك. - على بركة الله.
والعجيب أن شروط العقد بين متولي وتوفيق لم تستغرق وقتا يذكر، مما جعل بعض الطمأنينة تراود متولي بعد ما رآه من توفيق عند شرائه للشقة.
والواقع أن لكل من الشريكين أسبابا قوية في الحرص على هذه الشركة، فقد كان لمتولي جار في الوكالة يضيق عليه الخناق، فقد كان يبيع نفس ما يتاجر فيه متولي من أقطان وحبوب. وكان هذا الجار مدبولي وهبة يرخص أثمان بضاعته، الأمر الذي كان يضيق به متولي غاية الضيق. وقد كانت مشاركة توفيق له تمكنه من إرخاص الأسعار حتى لا يستطيع مدبولي أن ينافسه.
أما توفيق فقد كان تواقا إلى الحياة في القاهرة ليتوسع في الإقراض بالربا. وكانت هذه المشاركة تتيح له الأموال الضخام التي يهفو إليها. •••
الفصل السابع
توفيق فتى ما يزال شابا وقد كان عادي القسمات، فإذا رأيته لا تستطيع أن تميزه بشيء معين، فهو أسمر الوجه سمرة خفيفة، واسع العينين إلى حد ما، خفيف الشعر والحركة معا، وكان يرتدي الحلة الإفرنجية ويحرص على أن يطوق عنقه برباط، وليس يعنيه أن تكون الحلة أو رباط العنق أو الحذاء على شيء من الأناقة، فقد كان شحه الشديد يجعله لا يشتري إلا أرخص الملابس، معتقدا في فلسفة البخلاء أن أحدا لن ينتبه إلى رخص ما يرتديه.
أما متولي فقد كان على شيء من السمن، وكان يرتدي الملابس البلدية، ولكنه كان يحرص على أن يكون ما يلبسه من نوع جيد في غير إسراف ولا بخل.
وكان ابنه سعيد نحيف القوام لا يخلو وجهه من ملاحة، وكان يرتدي القميص والبنطلون فإذا حل الشتاء زاد عليهما بلوفر من الصوف. •••
بات توفيق ليلته في فندق بسيدنا الحسين، وسافر في اليوم التالي إلى البلدة ولقيته صبيحة في ابتسامة عريضة، وقد كان وجهها يزداد جمالا حين تبتسم، فقد كانت ذات وجه أقرب إلى الاستدارة ولها شعر تجيد تصفيفه، وكانت ما تزال نحيفة فآثار الحمل لم تكن ظهرت عليها طبعا. قالت: الحمد لله على سلامتك. - الله يسلمك. - إن شاء الله يكون المشوار خيرا؟ - خير كل الخير. اشتريت شقة لنا. وأما أموري الأخرى فقد سارت على خير ما يرام.
وكان توفيق قد تعود في حديثه مع صبيحة ألا يطلعها على شيء من أعماله أو آماله، فقد بدا له منها في وضوح أنها لم تكن تعنى بشيء من هذه الأمور، فليس يعنيها من زوجها إلا ما كان متصلا بشخصها، أو البيت الذي تعايش زوجها فيه. فلم يكن غريبا على توفيق أن لم تسأله عن شيء إلا الشقة. - هل الشقة حلوة؟ - على النيل. - كم حجرة؟ - ثلاث حجرات واسعة وفسحة نستطيع أن نضع فيها المائدة. - مبروكة إن شاء الله. - والأثاث هل سنشتريه من هناك أم من هنا من البندر؟ - لا من هناك ولا من هنا. ما له هذا الأثاث؟ - هذا الأثاث من أيام زواج أبيك الله يرحمه. - وإن كان من أيام زواج جدي. - شقة جديدة أليس من الطبيعي أن يكون أثاثها جديدا؟ - الطبيعي أننا نأخذ هذا الأثاث. - وأنت إذا جئت إلى هنا؟ - سأحتاج إلى سرير وكرسي ومنضدة. نترك هذه الأشياء ونفرش بباقي الأثاث الشقة الجديدة. - وإذا جئت إلى هنا وزارك بعض الناس، ألا يجدون كرسيا يجلسون عليه؟ - نترك أربعة كراسي. - أهذا معقول؟ - هذا هو المعقول. - يا عالم شقة جديدة نؤثثها بأثاث أكل عليه الدهر وشرب. - اسمعي، لا مناقشة في هذا. - ما دام معك ما تستطيع أن تجدد به أثاث بيتك ... - ولا كلمة.
Página desconocida