21
وتبدو وجهة نظر «برادلي» هذه متفقة مع وجهة نظر هيوم، فلقد ذهب هيوم إلى أن «جميع أنواع الاستدلال العقلي لا تعتمد إلا على شيء واحد هو المقارنة، واكتشاف تلك العلاقات ... التي قد تكون قائمة بين شيئين أو أكثر. ويمكن أن نقوم بمثل هذه المقارنة: إما حين تكون هذه الأشياء كلها ماثلة للحواس في وقت واحد، وإما حين لا يكون شيء منها ماثلا أمام الحواس، أو حين يكون شيء واحد فقط هو الذي يمثل أمامها، وحين تكون الأشياء ماثلة بعلاقاتها أمام الحواس نسمي ذلك إدراكا أكثر مما نسميه استدلالا عقليا.»
22
وإذا كان كل استدلال يعتمد على حدس لعلاقات جديدة بين الأشياء، علاقات لم نكن نعرفها من قبل، علاقات لم تكن ماثلة لحواسنا أبدا، وبالتالي لم تكن قط جزءا من أي انطباع - إذا كان الاستدلال على هذا النحو، فسوف يصبح مستحيلا إذا ما حصرنا أنفسنا في نطاق الانطباعات وانعكاساتها الفكرية وحدها. (12) إن أية نظرية عن العقل لن تكون كافية - يقينا - ما لم تفسر تفسيرا مقنعا وحدة هذا العقل واتصاله، حتى ولو لم نستطع البلوغ بهذه الوحدة أو هذا الاتصال إلى درجة الكمال. ومعنى ذلك أن ترابط العقل الأفقي والرأسي،
23
لا بد أن يوضع موضع الاعتبار، وأن يدرس دراسة جادة.
لقد كان هيوم واضحا كل الوضوح في نظرته إلى الهوية الشخصية، فليس ثمة انطباع عن «النفس» يمكن أن تنشأ عنه فكرة الهوية البسيطة المتحدة مع نفسها، ونحن لا نكون على وعي تام إلا بالإدراك الجزئي فحسب. ومن ثم كان الإنسان حزمة أو مجموعة من الإدراكات الحسية المختلفة التي تعقب الواحدة منها الأخرى في تدفق مستمر وحركة دائبة. وخيالنا هو الذي يجعلنا نخطئ فنظن أن تعاقب الموضوعات المترابطة هو ذات في هوية مع نفسها.
ونظرية هيوم - كغيرها من النظريات اللامركزية - تفهم وحدة العقل على أنها وحدة نسق أو نظام، لا وحدة نواة. فهناك مجموعة من العلاقات ذات خصائص معينة تقع بين الحوادث الذهنية من جهة، وبين الشرائح المتتابعة لتاريخ الفرد من جهة أخرى، وهذا هو ما يشكل الوحدة المستعرضة والوحدة الطولية للنفس أو الذات - على التوالي. فإذا ما أخذنا قطاعا عرضيا في مجرى الشعور عند الفرد، وجدنا أن الحوادث الذهنية المختلفة التي توجد معا في لحظة معينة من لحظات الخبرة، ترتبط فيما بينها ارتباطا خاصا، حتى إنها تكون لنفسها وحدة ذات خصائص معينة متميزة. ولو أنني من ناحية أخرى فحصت كل تسلسل للقطاعات العرضية التي تشكل تاريخي الماضي، لوجدت أنها يرتبط بعضها ببعض بطريقة متشابهة، لدرجة أن نسق العلاقات الفريد لا بد أن يطبع الفرد بطابعه.
وإذا كان هذا التفسير لوجهة نظر هيوم سليما، فلا بد أن ننظر إلى الضمائر الشخصية على أنها تشير إلى مجموعة خاصة من العلاقات، لا إلى مراكز لهوية ذاتية، لكن الضمائر الشخصية في هذه الحالة مثل: أنا، وأنت ، وملكي ... إلخ، إلخ، سوف تفقد كل معنى لها. صحيح أن البرهان الذي يعتمد على الضمائر الشخصية ليس برهانا حاسما في إثبات وجود مراكز لهوية ذاتية، وهي المراكز التي نفترض أن هذه الضمائر تشير إليها. وأنا أسلم بذلك. إذ قد يعترض معترض - وله الحق في ذلك - فيقول إننا حين استخدمنا هذه الضمائر لم نكتشف في البداية وجود مركز يوحد بين الحالات الذهنية المختلفة، ثم أطلقنا عليه اسما معينا، لكننا فعلنا العكس، أعني استخدمنا أولا الاسم لتسهيل عملية الاتصال بين الناس، ثم بدأنا بعد ذلك في البحث عن موجود يفترض أن الاسم يشير إليه. وقد يقال من ثم إن الضمائر الشخصية ليست إلا تسمية على غير مسميات
misnomers
Página desconocida