138

وما كاد يغلقه حتى طارت ثلاثة سهام دفعة واحدة من الموقع الذي كانا قد ارتابا في أمره ومرت أمام رأسه وصدره، وكاد سهم منها يخترق دماغه لولا أن القناع الفولاذي حول مسارها جانبا.

قال الفارس: «الشكر لصانع الدروع الأمين. وامبا، هيا نشتبك معهم.» ثم انطلق مباشرة نحو الأجمة. قابله ستة أو سبعة رجال مسلحون، ركضوا نحوه برماحهم بكامل سرعتهم. ارتطمت فيه ثلاثة من الأسلحة، وتحولت إلى شظايا دون أن تؤثر فيه، كما لو كانت سددت نحو برج من الفولاذ. وبدت عينا الفارس الأسود وكأنهما تقدحان شررا من خلال فتحة الرؤية في قناع خوذته؛ فانتصب على ركابيه بوقار لا يوصف، وصاح قائلا: «ماذا يعني هذا يا سادة؟!» لم يرد الرجال إلا بأن سحبوا سيوفهم وهاجموه من كل جانب صائحين: «مت أيها الطاغية!»

قال الفارس الأسود وهو يصرع رجلا مع كل ابتهال إلى الرب: «ها! ببركة القديس إدوارد! ها! ببركة القديس جورج! ألدينا خونة هنا؟»

ظهر فارس بدرع أزرق، كان قد ظل حتى تلك اللحظة خلف المهاجمين الآخرين، واستحث جواده للأمام رافعا رمحه، وصوب نحو هدفه الذي لم يكن راكب الجواد، بل الجواد نفسه، فجرح الحيوان الأصيل جرحا مميتا.

صاح الفارس الأسود والجواد يسقط على الأرض مسقطا راكبه معه: «تلك كانت ضربة غادرة!»

وفي هذه اللحظة نفخ وامبا في البوق، حيث كان كل شيء قد جرى بسرعة، فلم يكن لديه وقت ليفعل ذلك قبلئذ. جعل الصوت المفاجئ القتلة يتراجعون، ولم يتردد وامبا، على الرغم من أنه لم يكن مسلحا بشكل جيد، في الاندفاع ومعاونة الفارس الأسود على النهوض.

صاح الفارس ذو العدة الزرقاء الذي بدا أنه قائد المهاجمين: «عار عليكم، أيها الجبناء المزيفون! أتهربون من نفخة بوق فارغة يطلقها مهرج؟»

استحثتهم كلماته، فهجموا من جديد على الفارس الأسود الذي كان أفضل ملجأ له حينئذ أن يسند ظهره إلى شجرة بلوط، ويدافع عن نفسه بسيفه. كان الفارس الغادر قد أخذ رمحا آخرا، منتظرا اللحظة التي يشتد فيها الضغط على خصمه الضخم، ثم انطلق بفرسه نحوه آملا في أن يثبته برمحه في الشجرة، عندما اعترض وامبا هدفه مرة أخرى؛ حيث حام المهرج حول حدود مكان القتال، وكبح بكفاءة التقدم المروع للفارس الأزرق؛ وذلك بأن قطع أوتار ساق جواده بضربة من سيفه. سقط الجواد والرجل أرضا، ومع ذلك ظل موقف الفارس ذي القفل حرجا للغاية، وعندئذ انطلق فجأة سهم به ريشة إوزة رمادية، فألقى أرضا أحد أكثر مهاجميه ضخامة، واندفعت مجموعة من اليوامنة من الفرجة في الغابة، على رأسهم لوكسلي والراهب المرح، وسرعان ما أجهزوا على الغادرين الذين ارتموا جميعا على الأرض ما بين قتيل أو مجروح جرحا مميتا. شكر الفارس الأسود منقذيه بوقار لم يلاحظوه في سلوكه السابق.

قال: «يعنيني كثيرا، حتى قبل أن أعبر عن امتناني الكامل لأصدقائي الحاضرين، أن أكتشف - إن استطعت - هوية من اعتدوا علي هذا الاعتداء غير المسوغ. وامبا، ارفع قناع ذلك الفارس الأزرق الذي يبدو أنه زعيم هؤلاء الأشرار.»

قال وامبا: «تعال أيها السيد الشرير. يجب أن أكون صانع دروعك كما كنت سائس جوادك. لقد أنزلتك من فوق جوادك، والآن سأنزع عنك خوذتك.»

Página desconocida