172

وإذا تأملت تصرف القرءان في المعاني المقصودة ، عرفت أنه زائد في الحسن على تصرف جميع أقسام الكلام وأنواعه ، وشهد لك قلبك أنه ليس من كلام البشر ، لمجاوزته في الحسن جميع كلامهم ، لأنك تجد عامة كلام الناس إذا أخذوا في الاقتصاص والتصرف في المعاني المختلفة ، والأغراض المتباينة ، والمقاصد المتغايرة ، يضعف بناؤه ، ويهي (¬1) نسجه ، ويظهر عليه الاختلال ، وحال القرءان بخلاف ذلك .

ألا ترى إلى قوله عز وجل: { وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون (4) } [الرعد] .

تأمل - رحمك الله - حسن هذا التصرف ، فإنه ذكر الدليل على فساد قول من يضعف (¬2) هذه الحوادث إلى الطبع ، وحرره على وجه أسقط عنه كثيرا من الأسئلة ، بأن بين أن في الأرض قطعا متجاورة ، يقرب بعضها من بعض ، ليسقط سؤال من يقول: إن الأرضين إذا تباعدت أطرافها ، اختلفت التربة ، فكان منها الطيب والخبيث ، لأن ذلك يبعد في المتقارب منها .

وكذلك الهواء لا يمكن أن ندعي أن تغيره هو المؤثر ، لأن الأرضين ما لم تتباعد بعضها من بعض ، لا يظهر في أهويتها التغير ، وكذلك الماء إذا كان واحدا لا يمكن أن يدعا أن اختلاف الأكل راجع إلى اختلاف الماء ، فدل بذلك على أنه من فعل القادر الحكيم ، تبارك وتعالى .

Página 226