-11- أطاع ، فمن أين لك هذا القول ؟ إن أحكام الطاعة أضيق من أحكام المعصية . فإن قال ذلك أتى بما لا تحتمله العقول .
فإن ثبت على ذلك ، قيل له : أفرأيت إن لم يعص ، أفعليه أن يعلم أنه لم يعص ، إذ كان بتركه للمعصية طاعة ، فيما أخذ عليه من الميثاق ، فإذا ترك المعصية كان ذلك منه طاعة أو لا يكون منه طاعة ، فيما تعبده الله به ؟
فإن قال : يكون منه طاعة ، وعليه أن يعلم أن المعصية معصية ، ويتركها بعلم .
قيل له : فليس يسعه معك دون العلم بالأشياء كلها من دين الله في وقت واحد ، فهذا ما لا يجوز ، وليس المدار والحاصل إلا على ما قد قلنا إنه سالم ، بالميثاق الذي أخذ له وعليه في دين الله ، ما لم يعص الله وهو مؤمن مسلم بذلك أبدا ، ولو لم يقر بالجملة ولا بشيء منها بلسانه ولا بقلبه ، فهو مقر بها في جملة العهد والميثاق ، الني ثبت له وعليه في دين الله -تبارك وتعالى- ، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما لم تقم عليه الحجة بها ، أو بشيء منها بسماع أو نظر أو خاطر ، يوجب علم معانيها ومعاني التسمية لها .
وسواء ذلك عندنا في أية بقعة كان من البقاع ، ما لم يبلغه علم ذلك والخبر به ومعرفته ، ولو كان ذلك في مكة والمدينة أو غيرهما ، من أمصار أهل الإقرار ، فإذا سمع بذكر ذلك وخبره ، أو جرى عليه ذلك مرسوم في كتاب ، أو خطر بباله من ذلك ، ما تقوم عليه الحجة بمعرفة صفة ذلك والمراد به ، فقد لزمه علم ذلك والتصديق به وله ، وضاق عليه الشك فيه والريب ، فإن كان قد خرج من حال الإقرار ، بالميثاق الذي كان مجزيا له إلى حد الإنكار بوجه من الوجوه ، وكان منكرا بوجه من الوجوه ، فلا يسعه دون أن يقر من ذلك بما أنكره من لسانه ، ويصدق من ذلك بما كذبه بلسانه وبقلبه ، ويعلم من ذلك ما قد شك فيه بقلبه ، ويرجع من حال الخروج من الإنكار بلسانه ، إلى
Página 12