Ismael Casim en el desfile de la vida y la literatura
إسماعيل عاصم في موكب الحياة والأدب
Géneros
أبو شادي
فقدان الخطابة من مصر
عزتلو حضرة الأصولي الفاضل صاحب جريدة «الظاهر»
إني أشكر عزتكم كصحافي حر ينشر ما يرد إليه، ثم يعقب عليه ولكن بشرط مراعاة آداب المناظرة، لا كما ذكرتم في التعقيب على مقالتنا المندرجة في العدد 180، وكنت أتعشم في فطانتكم أن تكونوا أول مقتد بخطيبكم الحبيب؛ حيث قال في خطابته بلزوم تجرد الصحافة من الشتايم والطعن، والترفع عما يأتيه أصحاب الوريقات الساقطة منها (راجعوا العامود الخامس في الصحيفة الثانية من جريدتكم الصادرة بتاريخ 8 يونية الجاري)، وكما لا يخفى على نباهتكم أنه ليس من الحكمة أن يتعصب الصحافي لما ينشر، والكاتب لما يكتب، والخطيب لما يقول ويعده تنزيلا من عزيز حميد، فيغضب لأي انتقاد عليه ويرمي المنتقد بالهذر والهزء، ثم يسلك سبيل المغالطة؛ ليوهم الناس صحة ما كتب، فتسقط قيمة الكتابة إن لم أقل قيمة أفكار الأمة في الدعوة إلى الجامعة الوطنية، وإنما الحكمة هي مقاومة الدليل بالدليل؛ ليمتاز السليم من العليل. غير أن سعادتكم - وا أسفاه - لم تنصفوني ولم تسلكوا معي هذا السبيل، ونسبتم إلي أمورا لم ترد في رسالتي، ولم تقيموا عليها دليلا. فأردت أن أبين لكم في هذه العجالة الأدلة على أقوالكم من نفس مقالتكم، راجيا منكم إقامة دليل واحد على ما نسبتموني إليه؛ لأن الغرض بيان ما يفيد مستقبل الديار.
فأما مقالة حضرتكم المندرجة في العدد 176 تحت عنوان فقدان الخطابة من مصر، فإنها تشتمل على ثلاثة أمور: الأول منها أن مصر عقب الاحتلال كانت زاهرة بالنهضة الوطنية (اقرأ صدر العامود الأول من المقالة)، والثاني أن مصر منذ عشرة أعوام كانت تعقد فيها الجمعيات العلمية والأحزاب السياسية والخطب المنبهة للهمم، ثم خفتت تلك الأصوات (اقرأ من السطر التاسع إلى آخر العامود الأول والثالث)، إنه لا يوجد من نابغي مصر الآن غير واحد يخطب مرة أو مرتين في السنة حتى بح صوته ونشف ريقه من كثرة صياحه (اقرأ من السطر 32 لآخر العامود الثاني)، ثم تمنيتم اجتماع عدد عديد من الشبان ليخطبوا في أوروبا متظلمين لديها من أفعال المحتلين؛ ليسوقوا هذا الشعب الجامد إلى النشاط (اقرأ السطر الأخير من العامود الرابع لآخر المقالة)، فهذه هي أقوال حضرتكم بلفظها ومعناها ومواضعها من جريدتكم الفيحاء.
وقد أبديت ملاحظاتي التي تفضلتم بنشرها، وهي تشتمل أربعة مباحث: الأول أنه عند دخول المحتلين مصر لم يكن فيها شيء اسمه النهضة الوطنية، وما كان فيها غير عصاة ثاروا، وكانوا السبب في هذا الاحتلال. والثاني أن الجمعيات التي كانت موجودة منذ عشرة أعوام كانت مركبة من بعض التلامذة، ولم يكن فيها غير الخطب الأدبية والمحاورات العلمية، وأن الأحزاب السياسية والخطباء السياسيين لم يكن لهم حقيقة في مصر لا منذ عشرة أعوام ولا أكثر من ذلك لغاية الآن. ثالثا أن النهضة الوطنية إنما ابتدأت تنتشر في مصر في هذه السنين بإيجاد المدارس والجمعيات الخيرية، وبوجود أعاظم الرجال الذين أوضحناهم، وقلنا لعزتكم إن الخطيب الذي يخطب في السنة مرة أو مرتين لا يبح صوته ولا يجف ريقه، وإن صياحه في أوروبا ما أفاد مصر شيئا، بل كانت عاقبته تلك الاتفاقية الشعواء، ثم فوضنا لكم الرأي في أنكم لو وجدتم في توجه الشبان ليخطبوا في أوروبا منفعة لمصر فيمكن لكم أن تقوموا بهذه الخدمة الجليلة لبلدكم، ولكننا حذرناكم من أن تكون الثانية أشأم من الأولى، إلى آخر ما كتبناه، وكنا نود أن تعقبوا عليه بما نعهده فيكم من الآداب وقوة الحجة، ولكن قد يكبو الجواد، وجاء تعقيبكم كعقاب على غير جريمة ثابتة بأسباب صحيحة، كما سأبينه هنا واحدة فواحدة:
أولا:
قلتم إننا تألمنا من إغفال ذكر اسمنا من عداد الخطباء (راجع عامود 4 وسطر 9)، والجواب عليه أنكم ما ذكرتم أسماء خطباء مصر، ثم أغفلتم اسمنا حتى كانت تصح النسبة.
ثانيا:
قلتم إننا ما علمنا حقيقة مرادكم، وهو تمنيكم نهضة قوية تستعيد سابق مجد مصر (راجع ع4 س8)، والجواب على ذلك أن مقالتكم كلها بديهية ولا تحتاج لتأويل أو إمعان فكر، ولم تذكروا فيها مرادكم الذي ذكرتموه الآن، وحينئذ فلا عتب علينا إذا لم نعلم ما في صدوركم، ولا يعلم الغيب إلا الله.
Página desconocida