يَا خَدِيجَةُ، رَأَيْتُ فِي السُّوقِ غُلامًا مِنْ صِفَتِهِ كَيْتُ وَكَيْتُ، يَصِفُ عَقْلا وَأَدَبًا وَجَمَالا، وَلَوْ أَنَّ لِي مَالا لاشْتَرَيْتُهُ ".
فَأَمَرَتْ خَدِيجَةُ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ فَاشْتَرَاهُ مِنْ مَالِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: " يَا خَدِيجَةُ، هَبِي لِي هَذَا الْغُلامَ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِكِ، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَرَى غُلامًا وَضِيئًا وَأُحِبُّ أَنْ أَتَبَنَّاهُ، وَأَخَافُ أَنْ تَبِيعَهُ أَوْ تَهَبَهُ، فَقَالَ: يَا مُوَفَّقَةُ، مَا أَرَدْتُ إِلا أَنْ أَتَبَنَّاهُ "، فَقَالَتْ: بِهِ فُدِيتَ يَا مُحَمَّدُ.
فَرَبَّاهُ وَتَبَنَّاهُ، إِلَى أَنْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ فَنَظَرَ إِلَى زَيْدٍ فَعَرَفَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَأَنْتَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ؟ قَالَ: لا، أَنَا زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، إِنَّ أَبَاكَ وَعُمُومَتُكَ وَإِخْوَتُكَ قَدْ أَتْعَبُوا الأَبْدَانَ، وَأَنْفَقُوا الأَمْوَالَ فِي سَبِيلِكَ، فَقَالَ:
أَلِكْنِي إِلَى قَوْمِي وَإِنْ كُنْتُ نَائِيًا ... فَإِنِّي قَطِينُ الْبَيْتِ عِنْدَ الْمَشَاعِرِ
وَكُفُّوا مِنَ الْوَجْدِ الَّذِي قَدْ شَجَاكَمُ ... وَلا تُعْمِلُوا فِي الأَرْضِ نَصَّ الأَبَاعِرِ
فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ فِي خَيْرِ أُسْرَةٍ ... خِيَارُ مَعْدٍ كَابِرٌ بَعْدَ كَابِرِ
فَمَضَى الرَّجُلُ فَخَبَّرَ حَارِثَةَ، وَلِحَارِثَةَ فِيهِ أَشْعَارٌ بَعْضُهَا:
بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ ... أَحَيٌّ يُرْجَى أَمْ أَتَى دُونَهُ الأَجَلْ
وَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَسَائِلٌ ... أَغَالَكَ سَهْلُ الأَرْضِ أَمْ غَالَكَ الْجَبَلْ
1 / 139