El Islam y la civilización árabe
الإسلام والحضارة العربية
Géneros
كان الرومان إذا أطاعهم بلد قبلوا ما سقطوا عليه فيه من معبودات وأرباب، يضيفونها إلى ما عندهم منها، كأن المعبودات بعض الأعلاق والطرائف، كلما كثرت مجموعتها كان لغواتها ما يفاخرون به ويباهون، أما العرب فكانوا ينادون علنا بدينهم، موحدين الله، مصلين على رسوله، يفيضون العدل بين الرعية، ولا كبير أمام شريعتهم؛ لأنها ساوت بين العظيم والصعلوك، لا يكرهون أحدا على دينهم مهما عظم سلطانهم، يكتفون بخراج أو جزية لا يعد مقدارها شيئا بالقياس إلى ما كان على الناس أن يؤدوه من قبل، فلا عجب إذا دخل المغلوبون في دين الغالبين أفواجا، ولا بدع أن تشبه المغلوب بغالبه، فتلقف لسانه وهان عليه قبول أوضاع جديدة ما كان له بها عهد، وعد ما أتاه به نعمة، وأي نعمة، لانطوائه على السلام والطمأنينة والعدل المطلق.
وإن خليفة كعمر بن الخطاب تدركه الصلاة في كنيسة القيامة
9
في القدس، ويقول لبطركها صفرونيوس: أريد أن أصلي، فيقول له: صل يا أمير المؤمنين موضعك فيأبى، ثم يخرجه إلى كنيسة قسطنطين فيأبى، ويصلي وحده على بابها، ويقول للبطرك: إن سبب امتناعه من الصلاة في الكنيسة لئلا تخرج من يده ويأخذها المسلمون منه، ويقولون: هاهنا صلى عمر، ويكتب له سجلا على أن لا يصلي أحد من المسلمين على الدرجة إلا فرادى، ولا تجمع فيها صلاة ولا يؤذن عليها - إن خليفة يعمل هذا، وهو في قمة عز الإسلام، جدير بإعجاب العدو والصديق؛ لبعد نظره، وكثرة تسامحه، ولمعرفته الواسعة بإقامة الممالك واستمالة القلوب.
وإن قائدا كخالد بن الوليد يكتب إلى ملوك فارس قبل وقعة القادسية، يريدهم على الدخول في أمره ليدعهم وأرضهم ويجوزهم على غيرهم: «وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على غلب على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة.» ويكتب إلى مرازبة
10
فارس: «أما بعد، فأسلموا تسلموا، وإلا فاعتقدوا مني الذمة وأدوا الجزية، وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر.» إن قائدا يقول هذا معبرا بلسان قومه عن استهانته بالموت في سبيل هدفه الأعلى، لا يستعظم منهم أن يغلبوا يوم الزحف، وهم أقل من ربع أعدائهم بعددهم، بيد أن العرب كانوا يحاربون وهم يعرفون السبب الذي من أجله يحاربون، فإذا ما سمعتهم كبروا التكبيرة ثم التكبيرتين والثلاث وهم زاحفون على أعدائهم أيقنت أنهم لا يرجعون أو ينتصرون، ولا يبقون ولا يذرون، وكانوا مع هذا كما قال فيهم
11
أعداؤهم: «فرسانا في النهار، رهبانا في الليل، يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل دوي النحل، وهم آساد الناس لا يشبههم الأسود.» قوم كانوا بالأمس لإفراطهم في الحرية لا يخضعون لنظام، فلما دخلوا في الإسلام رأيتهم لا يخالفون أمرا لكبيرهم، يبايعونه على الطاعة والموت في سبيل الجماعة.
وإن خليفة كابن الخطاب يقول: «إني حريص على أن لا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجز ذلك عنا تآسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف، ولوددت أنكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها لكم، ولست معلمكم إلا بالعمل، إني والله ما أنا بملك فأستعبدكم، وإنما أنا عبد الله عرضت علي الأمانة فإن أبيتها ورددتها عليكم واتبعتكم حتى تشبعوا في بيوتكم وترووا سعدت، وإن أنا حملتها واستتبعتكم إلى بيتي شقيت، ففرحت قليلا وحزنت طويلا، وبقيت لا أقال ولا أرد فأستعتب.» إن خليفة كهذا يقول عام الرمادة، وهو عام مجاعة وجدب وقحط: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يصبني ما أصابهم، ويقسم أن لا يذوق سمنا ولا لبنا ولا لحما حتى يحيي الناس، وجعل يثرد بالزيت حتى تغير لون بشرته، ثم ينحر جزورا يطعمها الناس فيغرفون له طيبها فيؤتى بقدر من سنام ومن كبد فيقول: أنى هذا؟ فيقال له: يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم، فقال: بخ بخ بئس الوالي أنا أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها،
Página desconocida