El Islam y la civilización árabe
الإسلام والحضارة العربية
Géneros
3
ممن لا عشائر لهم، وليست لهم منعة ولا قوة، تعذبهم قريش في الرمضاء بأنصاف النهار، ليرجعوا عن دينهم أو يحمون الحديد ويضعونهم عليه، وما صبأ
4
منهم أحد، وما زادتهم خشونة قومهم إلا ثباتا، وكانوا يسمون المستضعفين، وهم راضون بما ينالهم، وسواء عندهم احلولى عيشهم أو املولح، إذا كان في ذلك نصرة الدين، فالإسلام هو الذي جعل في العرب خاصية في أخلاقها ساقتها إلى العمل الصالح، فوحد بين مقاصدها ووجهها إلى هدف واحد، ومن حرص على الموت وهبت له الحياة، والقرآن استهواهم بأسلوبه الجذاب، وخلب ألبابهم بفصاحته وبلاغته، فاسترقهم فآمنوا به وبمن جاءهم به، وما هي إلا أيام معدودات حتى هذبت مدرسة محمد بن عبد الله من نفوسهم، وأنشأت منهم رجالا أصبحوا في عقلهم وعدلهم موضع الاستغراب، على توالي القرون والأحقاب، وليس في وسع مؤمن أو جاحد ينظر في تاريخ العرب النظر المجرد عن الهوى، إلا وتأخذه الدهشة من صنيعهم وحسن بلائهم في عهدهم الجديد.
مثال من سرعة تبدل الأخلاق بالدين: أكثرت الخنساء الشاعرة في الجاهلية من رثاء صخر أخيها لأبيها وشقيقها معاوية، وكان صخر أحبهما إليها، وكان حليما جوادا
5
محبوبا في العشيرة، فلما جاء الإسلام وأسلمت شهدت وقعة القادسية مع أربعة بنين لها فخطبتهم مبينة لهم ما أعد الله من الثواب في حرب الكافرين، وأن الدار الباقية خير من الدار الفانية، فخرجوا قابلين لنصحها واستشهدوا كلهم، فلما بلغها الخبر قالت: الحمد لله شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته، ولم تجزع على أفلاذ كبدها جزعها من قبل على أخيها لأبيها أيام الجاهلية.
بماذا امتاز العرب المسلمون؟
حملت العرب إلى ما وراء جزيرتهم كتابا مختصرا فيه ما يصلحهم ويصلح غيرهم، وأهم سر في غناء قانونهم المبتكر أنهم كانوا يعملون بأحكامه، لا يخرمون منه حرفا ويحفظون معه أمورا تنفعهم في تمثل الحياة الفاضلة الساذجة، ومنها قواعد القتال، ومعرفة طبائع من يحتلون أرضهم، ومن أهم ما عرفوا به اعتصامهم بالصبر، وتحليهم بالشجاعة والكرم والنجدة والوفاء، ونفوس شفافة سليمة من مثل هذه لا يستكثر منها سرعة انطباعها بطابع محدث من الحضارة، وهي بفطرتها مستعدة لقبول الخيرات، بعيدة في كل أحوالها عن اللغو والعبث، ما عاقتها حرارة أرضها عن بلوغ أقصى مدى العمل المعجب، وأكذبت بما فعلت دعوى من قالوا: إن الحضارة وليدة البلاد الباردة.
كان من الغارات التي تغيرها العرب على الأقطار المجاورة في القرون السالفة سواء احتلوها زمنا أو أنشأوا فيها دولة أو شبه دولة، ومن غارات الغريب الذي حاول استعبادهم يوما فردوه على أعقابه، ومن تمرن فريق منهم كالغسانيين والتنوخيين والتغلبيين واللخميين والإياديين عند الروم والفرس على معاناة الإدارة والعسكرية؛ كان من ذلك ما أورثهم علما عمليا أصابوا به حظا من إدارة الممالك، والحاجة تفتح باب المعرفة على ما جاء في أمثالهم، ومما ساعدهم على توسعهم أنهم كانوا يعرفون عدوهم أكثر مما يعرفهم، وهو يحتقرهم في الجملة، أما هم فيعتدون به، يحتقرهم لأنهم كانوا ينتجعون بلاده
Página desconocida