El Islam y la civilización árabe
الإسلام والحضارة العربية
Géneros
أليس هذا غريبا في دولة كان للدين فيها المحل الأول، أليس من الغريب أن يجعل العرب من أبناء ذمتهم أصحاب الأديان السماوية موضع ثقتهم، ثم إنهم ما ارتكبوا مع الهندوس وغيرهم من وثني الهند وعبدة النيران فيها عسفا ولا خسفا، ولما فتحوا بنارس مدينة الهنود المقدسة، وكان سواد أهلها من البراهمة، أحسنوا معاملتهم وراعوا شعائرهم، ولا بدع أن يمتد سلطان المسلمين بسياستهم الرشيدة من نهر التاج في إسبانيا والبرتقال إلى نهر الكنج نهر الهند الأعظم، ولا عجب أن رأينا الوفاق على أتم حالاته بين الحاكم والمحكوم، وبين الأديان المختلفة، وبين الأقلية والأكثرية. وعجيب أن هذه الأقلية ما احتاجت إلى من يحميها ويرعى مصالحها، بل كان راعيها وراعي غيرها سلطان العرب العادل، وما شوهد مع هذا أن غدا وطن الغالب وطنا للمغلوب؛ لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وما كان للفرس في الشرق ولا للروم في الغرب دولة قادرة كالعرب يفزعون إليها لتحميهم، ويكونون في ظلها أسعد مما هم في دولة العرب.
أثر علوم العرب في الغرب
المنصفون والشعوبيون في تقدير الحضارة العربية
في كتاب الغربيين أناس يحاولون إلى اليوم أن يقللوا من خدمة العرب للحضارة؛ فمنهم من يزعم أن العرب نقلوا عن القدماء وحرفوا ما نقلوا، ومنهم من يدعي بصورة مجملة أن هذه المدنية التي أبدعها العرب لا تستحق هذه العناية، وأن اليونان والرومان هم أساتذة الغربيين وحدهم، والعرب لا فضل لهم عليهم في شيء. ومنهم من يحاول أن يصغر ما وسعته المماحكة من تأثيرات مدنية العرب، فيقول: إنهم أتقنوا أصنافا
1
من العلم لا تحتاج إلى تفكير كالتاريخ والجغرافيا، وأنهم سقطوا في الكتب السريانية على مواد وافرة فاقتبسوها، دون أن يكون لهم في باب النقد كبير أمر، مدعين أن العربي عاجز عن استخراج شيء من عنده، وأنه نقل واحتذى وقلد وغير الصور، وأنه لم يعرف الشعر القصصي ولا الشعر التمثيلي؛ لأنهما يتطلبان اختراعا لا وجود له عند العرب، وأن الإسلام الذي هو عصارة العقل العربي قد فلج الأفكار.
هذه بعض منازع الشعوبيين خصوم العرب من الإفرنج، الجاهلين أقدارهم، العاملين على الحط من مدنيتهم، فاستمعوا لما يقوله المنصفون، فقد قال درابر:
2 «من موجب الأسف أن الأدب الأوربي حاول أن ينسينا واجباتنا العلمية نحو المسلمين؛ فقد حان الوقت الذي ينبغي لنا أن نعرفهم. إن قلة الإنصاف المبنية على الأحقاد الدينية، وعلى العنجهية القومية، لا تدوم أبد الدهر.» وفي التاريخ العام:
3 «إذا وجب أن يذكر لكل واحد قسطه من العمل، لا يسع المنصف أن ينكر أن قسط العرب منه كان أعظم من قسط غيرهم، فلم يكونوا واسطة نقلت إلى الشعوب الجاهلة في إفريقية وآسيا وأوروبا اللاتينية معارف الشرق الأدنى والأقصى وصنائعه واختراعاته، بل أحسنوا استخدام المواد المبعثرة التي كانوا يلتقطونها من كل مكان، ومن مجموع هذه المواد المختلفة التي صبت فتمازجت تمازجا متجانسا، أبدعوا مدنية حية مطبوعة بطابع قرائحهم وعقولهم، وهي ذات وحدة خاصة وصفات فائقة.»
هذا مثال من أقوال بعض المنصفين في المدنية العربية، وهناك فئات غير قليلة تتابعهم على آرائهم، أما ذاك الشعوبي فيحاول أن لا يجعل للعرب مزية لاشتغالهم بالتاريخ والجغرافيا؛ لأنهما علمان لا يحتاجان إلى تفكير بزعمه السخيف، وقبله أعجب كثير من علماء المشرقيات الذين تفهموا هذه الحضارة من كتبها، وأكبروا عمل المقدسي وابن حوقل وياقوت والمسعودي والطبري وابن الأثير والإدريسي وابن خرداذبة والبلاذري واليعقوبي والخوارزمي وابن الفقيه وابن رسته وابن فضلان وقدامة والبلخي والبيروني والبكري وشيخ الربوة وأبي الفداء وابن جبير وابن سعيد وابن سعد وابن فضل الله وابن أبي أصيبعة وابن القفطي وابن خلكان والصفدي وابن الخطيب وابن بسام وابن عساكر وابن طباطبا وابن بشكوال إلى عشرات غيرهم كتبوا في هذين العلمين وكتبهم موجودة مطبوعة لا تحتاج إلا لمن يقرؤها، واستفاد منها الغربيون فوائد جلى ونوهوا بها في كل فرصة،
Página desconocida