El Islam y la civilización árabe
الإسلام والحضارة العربية
Géneros
أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ،
14
ثم يفضي إلى ذم المشيد والاستغراق في زخرفته والسرف في الإنفاق عليه، ويتلو فيه قوله تعالى:
أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين * لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم ،
15
ويأتي بما شاكل ذلك من التخويف والوعظ، فيبكي الناس والخليفة، ويشكو هذا إلى ولده الحكم تقريع منذر بن سعيد له مقسما أن لا يصلي خلفه الجمعة أبدا، ويقول له الحكم: «وما الذي يمنعك عن عزل منذر بن سعيد والاستبدال به؟» فيزجره وينتهره ويقول: أمثل منذر بن سعيد في فضله وورعه وعلمه وحلمه، لا أم لك، يعزل إرضاء لنفس ناكبة عن الرشد؟ هذا ما لا يكون، وإني لأستحي من الله تعالى ألا أجعل بيني وبينه شفيعا في صلاة الجمعة مثل منذر بن سعيد، ولكنه قد وقذ
16
نفسي وكاد يذهبها، والله لوددت أن أجد سبيلا إلى كفارة يميني بملكي، بلى يصلي بالناس حياته وحياتنا، فما أظننا نعتاض منه أبدا.
وبينا أهل أوروبا كلهم عبيد ملوكهم وباباواتهم وزعمائهم، لا يجسر إنسان أن ينقد عملا أو يعترض على سياسة، كان رجال الإسلام يقدمون على وعظ الخلفاء، ولا يهابون سطوتهم ولا بطشهم، كمقام رجل من العباد عند المنصور العباسي يوم قال له: «وهل دخل أحد من الطمع ما دخلك؟ إن الله استرعاك أمر عباده وأموالهم فأغفلت أمورهم واهتممت بجمع أموالهم، وجعلت بينك وبينهم حجابا من الجص والآجر، وأبوابا من الحديد، وحراسا مع السلاح، ثم سجنت نفسك عنهم فيها، وبعثت عمالك في جبايات الأموال وجمعها، وأمرت أن لا يدخل عليك أحد من الرجال إلا فلان وفلان نفرا سميتهم، ولم تأمر بإيصال المظلوم ولا الملهوف ولا الجائع العاري إليك، ولا أحد إلا وله في هذا المال حق، فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك، وآثرتهم على رعيتك، وأمرت أن لا يحجبوا دونك، تجبي الأموال وتجمعها، قالوا: هذا قد خان الله فما لنا لا نخونه، فأتمروا أن لا يصل إليك من علم أخبار الناس شيء إلا ما أرادوا، ولا يخرج لك عامل إلا خونوه عندك ونفوه، حتى تسقط منزلته عندك، فلما انتشر ذلك عنك وعنهم عظمهم الناس وهابوهم وصانعوهم، فكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال، ليقووا بها على ظلم رعيتك، ثم فعل ذلك ذوو المقدرة والثروة من رعيتك، لينالوا ظلم من دونهم، فامتلأت بلاد الله بالطمع ظلما وبغيا وفسادا، وصار هؤلاء القوم شركاءك في سلطانك وأنت غافل، فإن جاء متظلم حيل بينك وبينه، إلى أن قال: فإن قلت: إنما تجمع المال لشديد السلطان، فقد أراك الله عبرا في بني أمية ما أغنى عنهم جمعهم من الذهب، وما أعدوا من الرجال والسلاح والكراع، حين أراد الله بهم ما أراد، وإن قلت: إنما تجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنت فيها، فوالله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة ما تدرك إلا بخلاف ما أنت عليه.»
هكذا كان المسلمون في العالم حكاما ومحكومين، السلطان يعمل والواعظ يعظ، والناس آمنون والحرية مشاعة شاملة، وبهذه الحرية التي تمتع بها العرب في دولهم، قبل أن تعرف معناها أمة من الأمم قبلهم، نشأ رجال في السياسة والحرب والإدارة والعلم والفن والصنائع والتجارة كانوا غرة في جبين الدهر، ولو جئنا نعدهم ونشير إلى ما رزقوا من ثقوب أذهان، ووفرة علم، وسمو أخلاق، ولطف حيلة، لاقتضى الخروج عن حد الإيجاز، وبأدنى نظر في سيرهم، يثبت لنا أن دينهم لم يحل دون مدنيتهم، من الظهور بهذا المظهر الخلاب الذي استهوى كل من عرفه، ولا ريب أن قليلا في رجال الغرب قبل عصر النهضة من بلغوا في الفضل والكمال مبلغ رجال الأمويين في الشرق والأندلس وبعض رجال العباسيين، بل مبلغ رجال ملوك الطوائف، وقليل جدا في الغرب من كانوا متصفين بصفات الخير أمثال الصاحب بن عباد وابن العميد وركن الدولة ابن بويه ومنصور بن نوح الساماني وأبي الفداء ومحمود بن سبكتكين وصلاح الدين ونور الدين وطغتكين والمنصور بن أبي عامر، وعشرات بل مئات بيضوا وجه الإنسانية بأعمالهم الصالحة، وبنبوغهم في معاناة أحوال الناس وحملهم على الجادة، لينعموا بالسعادتين الدنيوية والأخروية.
Página desconocida