El Islam como Socio: Estudios sobre el Islam y los Musulmanes
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Géneros
إن التصورات السياسية للحداثيين - في باكستان وفي غيرها - تستحق وقفة تأمل عن كثب، لأنها تبين - بصورة أوضح مما حدث في الجمهورية الإسلامية في إيران - أن الإيمان الثابت بالإسلام يتسق مع السيادة الشعبية والديموقراطية ولا يتعارض معهما. والواقع أن هؤلاء الحداثيين أو المحدثين ينطلقون من تصور عن الإنسان يقوم على أساس أن البشر جميعا متساوون أمام الله سبحانه، كما يؤكد بالإضافة إلى ذلك - ووفقا للآيتين الكريمتين اللتين سبق الحديث عنهما
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ... (إلى آخر الآية 30 من سورة البقرة)، و
وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ... (إلى آخر الآية 165 من سورة الأنعام) - أن الله جل شأنه قد جعل الإنسان خليفته أو نائبه على أرضه . يضاف إلى ذلك أيضا فهم جديد لأحد مصادر التشريع القديمة الثابتة، وهو الإجماع، فلا يمكن أن يتسق مع الإيمان بعدالة الله أن يسمح سبحانه بأن يجتمع المسلمون على ضلال أو خطأ. ويترتب على هذا أن يكون التشريع الذي تجمع عليه عامة المسلمين جزءا «من التشريع الإلهي»، وإذا بحثنا الأمر من منظور التصور التقليدي وجدنا أن مثل هذا الإجماع ينبغي من ناحية أن يتوصل إليه علماء الشرع وحدهم، وأنه من ناحية أخرى أبدي ثابت مثله في ذلك مثل الشرع في مجموعه. ويعترض الحداثيون على هذين المبدأين فيفترضون أن كل إنسان يملك الحق والقدرة على المشاركة في تكوين الإجماع، وأن الإجماع نفسه محدد بزمن معين، بحيث لا يكون على الأجيال المقبلة أن تتقيد به، بل ينبغي عليها أن تجد الإجماع الخاص بها. بذلك ينطبع الإجماع بالطابع التاريخي والديموقراطي، ومن ثم تكون المؤسسة الكفيلة بتحقيق الإجماع هي البرلمان.
استطاع الحداثيون الباكستانيون في البداية ومن حيث المبدأ أن يروجوا لهذا التصور. ولكن الأصوليين والعلماء التقليديين عارضوهم معارضة مريرة وتوصلوا إلى بعض التنازلات التي لم يرضوا عنها في النهاية رضاء تاما. صحيح أن الدساتير الباكستانية قد أقرت ضرورة اتفاق جميع القوانين مع تعاليم الإسلام، كما تشكل مجلس من علماء الدين مهمته فحص هذه القوانين والتأكد من شرعيتها، غير أن هذا المجلس لم يكن يتمتع - على العكس من نظيره في إيران - بحق الاعتراض (الفيتو). لذلك لم يكن غريبا أن يبدو التنويه بالإسلام في منطوق القوانين مجرد زخرف جمالي خال من أي مغزى أو مضمون فعلي. ولذلك انهالت الاتهامات على الحداثيين بأنهم لا يختلفون في شيء عن العلمانيين، بل إن هؤلاء يستغلونهم في إخفاء رغبتهم الحقيقية في فصل الدين عن الدولة. أضف إلى هذا أن البرلمان لم تكد تقوم له قائمة؛ إذ دأبت الحكومات على التدخل في شئونه لتحقيق أغراضها، بل طالما لجأت إلى إلغائه. ومن ثم تعذر أن يصبح التمثيل النيابي تجسيدا للإجماع الذي يمكنه أن يضيف إضافات خلاقة للتشريع الإلهي.
وفي عام 1977م استولت جماعة من الضباط على مقاليد الحكم وسارت على نهج أصولي واضح لكسب القاعدة الشعبية، التي كانت تفتقر إليها، إلى صفوفها. وقد استند القائمون بالانقلاب قبل كل شيء ل «جماعتي إسلامي» أي الجماعة الإسلامية التي تعتبر أهم منظمة إسلامية في باكستان. وقد سار الأصوليون إلى حد ما على المبادئ الدينية نفسها التي يسير عليها الحداثيون، ولكنهم توصلوا إلى نتائج مختلفة. فالمؤسس الأول ل «جماعتي إسلامي» والمفكر الرئيسي فيها، وهو أبو الأعلى المودودي، يعتقد أيضا أن الإنسان هو خليفة الله على أرضه، ويبرر بذلك إقامة شكل برلماني وانتخاب الحاكم انتخابا شعبيا. ولكنه يخضع الوظيفة التشريعية للبرلمان لحدود الشرع الإلهي وتعاليمه بصورة أكثر صرامة مما يفعل الحداثيون، كما يرفض فكرة إمكان التوسع في هذا الشرع عن طريق الإجماع. أما عن الحاكم المنتخب فإن المودودي يجعل له من الناحية الفعلية سلطة مطلقة، ويرى أنه ليس في حاجة إلا إلى استشارة البرلمان، وأن قراراته يجب أن تطاع، وأما عن مطالبة الحاكم بضرورة التخلي عن منصبه إذا فقد ثقة الشعب، فإنها تظل مسألة نظرية بحتة. والواقع أن تصورات المودودي تلتقي في نقاط كثيرة مع تصورات الجمهورية الإسلامية في إيران، والفارق الأساسي بينهما هو أن الدور الذي يقوم به علماء الدين عند المودودي ليس دورا مهما. والجدير بالذكر أن المودودي نفسه لم يكن من علماء الدين، وأنه يعارض مع الأصوليين - الذين يعد واحدا منهم - التأثير الكبير لعلماء الدين. وهكذا تصبح للحاكم سلطة يصعب وضع حدود لها أو الرقابة عليها والتحكم فيها.
8
وفي ليبيا نجد صورة جذرية متطرفة للأصولية عند العقيد معمر القذافي. إنه يذهب في مراجعته للمصادر الإسلامية الأولى إلى حد عدم الاعتراف إلا بالقرآن الكريم وإهمال كل ما عداه حتى السنة النبوية الشريفة. وليس في وسع القذافي من حيث المبدأ أن ينكر السنة كمعيار ومصدر أساسي للتشريع ولحياة المسلمين، وإلا اعتبر ذلك نوعا من الإلحاد. ولكنه يرى أن المأثور السني لا يمكن الاطمئنان إليه، ولا يمكن اعتباره مصدرا أساسيا للتشريع. والواقع أن شكوكه حول المأثور من الأحاديث النبوية قد يكون لها ما يبررها ، وعلماء السنة أنفسهم يعرفون حق المعرفة أن هناك عددا كبيرا من الأحاديث والأخبار المكذوبة عن كلام الرسول، عليه الصلاة والسلام، وعن حياته وأعماله. ولكنهم (أي علماء السنة) قد وجدوا الحل لهذه المشكلة؛ إذ اعترفوا بأصالة عدد محدد من المجموعات التي تضم تلك الأخبار والأحاديث الصحيحة الإسناد واعتمدوا عليها، وقد أدى تجاهل القذافي للسنة إلى أن يعلن أن تفسير العلماء التقليديين للسنة غير ملزم، وبذلك أعطى لنفسه مجالا واسعا لتفسير القرآن الكريم تفسيرا خاصا.
9
والجدير بالذكر أن القذافي بدوره يعتبر أن الشعب هو خليفة الله في أرضه، وقد أقام على هذه الفكرة تصورا عجيبا للديموقراطية: فهو يستنكر النظام النيابي بأعضائه وأحزابه وبرلمانه ويشيد بدلا منه نظاما للديموقراطية المباشرة يتكون من بناء معقد من المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية التي يحرص المشرفون عليها على أن يبقى المسئولون الكبار في الدولة خاضعين للإرادة الشعبية. وقد بدأ، إلى جانب ذلك، تغيير الأبنية الاقتصادية والاجتماعية تغييرات ذات صبغة اشتراكية؛ فنظام الأجور والمرتبات يستبدل به نظام تعاوني مشترك. وعلى الرغم من عدم المساس بالملكية الخاصة، فقد أمر بألا يملك أحد أكثر مما يحتاج إليه حاجة ضرورية. وهو يضع برنامجه الإصلاحي في مقابل الرأسمالية والشيوعية ك «نظرية ثالثة». والواقع أن أهداف القذافي تستحق الاهتمام، ولكن جهوده لجعل نظريته أو برنامجه نموذجا لبلاد أخرى تظل جهودا محدودة التأثير بدرجة كبيرة، ويرجع ذلك إلى أن المصلح الليبي - بفضل الثروة النفطية لبلاده - لا يكترث بأي عائد يمكن في الظروف العادية أن يجنيه من وراء أهدافه الطموح، ولذلك يتعذر على غيره أن يجاريه. ثم إن من الصعب أن نعرف مدى تجذر أفكار القذافي في الدين الإسلامي، وأخيرا فمما لا شك فيه أن وعي هذا القائد والمصلح برسالته يحمل صبغة إسلامية، ولا بد أن حرصه على وصف أفكاره وتصوراته - بأنها إسلامية - يضمن شرعية طموحه للزعامة وتعبئة الجماهير الشعبية العريضة.
إن الدول الثلاث التي رصدنا أحوالها، وهي إيران وباكستان وليبيا، تطمح كل على طريقتها إلى أن تمد جذور أنظمة حكمها في العقيدة الإسلامية. ولا يسري هذا على الدول الأخرى التي تتألف غالبية سكانها من المسلمين، وإن كان عليها أن تحسب حساب هذه الأغلبية وتأخذها بعين الاعتبار. ذلك أن الرغبة الملحة في التمسك بأشكال الحياة الإسلامية، وربما أكثر من ذلك برموز الهوية الإسلامية، هي رغبة قوية وملحوظة في كل وقت وفي كل مكان على وجه التقريب من العالم الإسلامي. ولقد طال ما حاول المسلمون وبصور متكررة أن ينظموا أنفسهم لكي يحولوا تلك الرغبة إلى واقع فعلي.
Página desconocida