يقال لهم: اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: الحق كان مع على لقول النبي صلى الله عليه وسلم «علي على حق، والحق معه حيث دار» «4» ومنهم من قال: كل واحد منهما كان مجتهدا مصيبا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مجتهد مصيب» «5» وأنهما لم يختلفا في الفروع كاختلاف الشافعي رضي الله عنه وأبي حنيفة والناس في ذلك على قولين: فمنهم من يقول إن الحق في جهة، وإن المخالف في تلك مخطئ له أجر لا أنه خطأ يؤدي إلى كفره، ولا فسقه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام «من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر» «1»، ومنهم من يقول كل منهما مصيب للخير، وحملوا أمر معاوية وعلي رضي الله عنهما على ذلك، وذلك أن عثمان بن عفان رضى الله عنه كان الخليفة، وهو ابن عم معاوية، فقتل مظلوما، وولى بعده الخلافة علي رضي الله عنه فجاء معاوية وطالبه بدمه، فقال علي رضي الله عنه: من قتل عثمان؟ فقام الخلفاء كلهم فأدى اجتهادهم إلى تركهم ذلك اليوم؛ لأنه لا يمكنه قتل جميعهم، وخشى على نفسه أيضا أن يقتلوه، كما قتلوا عثمان رضي الله عنه، فلما تركهم ظن معاوية وأصحابه أنهم قد تركوا شرطا من شروط الإمامة، وبطلت إمامته؛ لأن من شروط الإمامة استيفاء الحقوق، فإذا لم يستوف الحقوق، فقد ترك شرطا من شروط الإمامة وبطلت إمامته، والعصر لا بد له من إمام، فعقدوا لمعاوية بهذا الاجتهاد، فكل واحد منهما كان مجتهدا مصيبا، والدليل على أنه لم يجر بينهم ما يؤدي إلى الكفر والفسق، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان إذا قاتل الكفار يظهر الفرح والاستبشار، وفي حال قتاله أبو الحسن: كل هذا بيننا؟ إلى الله أشكو عجرى وبجرى أي همومي وأحزاني، يا ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة وكان يقول لأصحابه: ألا لا يتبع مول ولا يدفف على جريح. فلو وجد منهم ما يؤدي إلى كفرهم وفسقهم، لما أمر أصحابه بذلك.
Página 400