فإن قيل علي أولى بالخلافة من أبي بكر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» «1» يقال لهم هذا الخبر أيضا لا حجة لكم فيه لأنه إن أراد بقوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى أنت أخي، كما أن هارون أخو موسى، فهذا لا يصح؛ لأن عليا كان ابن عمه لم يكن أخاه، فإن أراد به أنك الخليفة بعدي كما أن هارون كان الخليفة بعد موسى عليهما الصلاة والسلام فهذا فاسد أيضا، لأن هارون مات قبل موسى، فلم يكن الخليفة بعده، فلو كان المراد به الخلافة لقال منزلتك منى منزلة يوشع بن نون، لأن الخليفة بعد موسى كان يوشع بن نون، فدل على أن الخبر له معنى غير ما ذهبوا إليه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بعض الغزوات، واستخلف عليا في أهله، فقال المنافقون إنما خلفه ... ، فلحق علي رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن المنافقين قالوا كيت وكيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذبوا، خلفتك كما خلف موسى هارون، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، لأن موسى لما توجه لميقات ربه استخلف هارون في قومه، وإذا كان المراد به الخلافة في حال الحياة، فهذا لا حجة لهم فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخلف على أهله في كل غزوة يغزوها رجلا من أصحابه، كابن أم مكتوم، وغيره.
فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلى مولاه، يريد من كنت أولى به فعلى أولى به، يقال لهم مولى هاهنا بمعنى الناصر، أي من كنت ناصره فعلى ناصره، قال الله عز وجل: وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين (التحريم: من الآية 4) أي ناصره، وقال الشاعر: إذا ذل مولى المرء فهو ذليل أي إذا ذل ناصره، وإذا كان المراد به من كنت ناصره فعلى ناصره فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ناصرا لأبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن خاذلا له: بل كان كل واحد منهما ناصرا لصاحبه، ومؤنسا له قال الله عز وجل: إلا تنصروه فقد نصره الله (التوبة: من الآية 40) وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه قد كان ناصرا له أيضا، فإن أبا بكر رضي الله عنه لما قال: أقيلوني أقيلوني لم يقم غير علي رضي الله عنه فقال: والله ما نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن الذي يؤخرك، رضيك لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟ وجاهد بين يديه وتسرى بالحنفية في أيامه، وولدت له محمد بن الحنفية، ولم يظهر غير الموافقة، والنصرة.
Página 398