ثم يعتقدون أن الله عز وجل مستو على العرش قال الله عز وجل: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش (الأعراف: من الآية 54)، وأن استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة لأن الاستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة، والرب عز وجل قديم أزلي أبدا كان وأبدا يكون، لا يجوز عليه التغيير ولا التبديل ولا الانتقال ولا التحريك، والعرش مخلوق لم يكن فكان، قال الله عز وجل: الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم (النمل: 26) فلو أن المراد بالاستواء والملاصقة لأدى إلى تغيير الرب وانتقاله من حال إلى حال وهذا محال في حق القديم، فإن كل متغير لا بد له من مغير، ولأن العرش مخلوق محدود فلو كان الرب عز وجل مستقرا عليه لكان لا يخلو إما أن يكون أكبر أو أصغر منه أو مثله، فلو كان أكبر منه يكون متبعضا بعضه خال من العرش، والبعض صفة الأجسام المؤلفة، وإن كان أصغر منه فيكون العرش مع كونه مخلوقا أكبر منه وذلك نقص، وإن كان مثله يكون محدودا كالعرش فإن كان العرش مربعا فيكون الرب مربعا، وإن كان مخمسا فيكون الرب مخمسا وما هو محدود له شبه، وله مثل ولا يكون قديما، فدل على أنه كان ولا مكان، ثم خلق المكان وهو الآن على ما عليه كان.
فإن قيل: إذا قلتم إنه ليس على العرش ولا في السماوات ولا في جهة من الجهات فأين هو؟
يقال لهم: أول جهلكم وصفكم له بأين، لأن أين استخبار عن المكان والرب عز وجل منزه عن ذلك.
ثم يقال لهم: هل تثبتون خلق العرش والسماوات وجميع الجهات أم لا؟
فإن قالوا ليست مخلوقة فقد قالوا بقدم العالم، وينتقل الكلام معهم إلى القول بحدث العالم، وإن وافقوا أهل الحق وقالوا بخلق جميع الجهات، يقال لهم فهل كان الرب موجودا قبل وجودها وهو الذي أوجدها من العدم إلى الوجود أم لا؟
فإن قيل: لم يكن موجودا قبلها ولا أوجدها فقد قالوا بحدث الرب عز وجل، وهذا هو الكفر الصراح، وإن وافقوا أهل الحق في القول بوجوده قبل وجود المخلوقات من العالم العلوي والسفلي. قيل لهم: فأخبرونا عما كان عليه قبل وجودها فكل دليل لهم قبل وجودها هو دليل لنا بعد وجودها، فإن الرب عز وجل بعد وجود جميع المخلوقات على ما كان عليه قبل وجودها لا يجوز على الرب التغيير من حال إلى حال ولا الانتقال من مكان إلى مكان. قال الله عز وجل في قصة إبراهيم عليه السلام: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل- أي انتقل من جهة إلى جهة وتغير من حال إلى حال- قال لا أحب الآفلين (الأنعام: 76) أي لا أحب المنتقلين المتغيرين، فمن وصف القديم بما نفاه عنه إبراهيم فليس من المسلمين.
فإن قيل: إذا لم يكن في جهة فما فائدة رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء وعروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء؟.
Página 389