وظاهر الكتاب والظاهر من ... - ... سنة من بالفضل كله قمن يعني أن الدليل الثاني من أدلة مذهب مالك الظاهر من الكتاب أو السنة الصحيحة.
والظاهر: هو اللفظ الدال في محل النطق على معنى لكنه يحتمل غيره احتمالا مرجوحا؛ فدلالته على المعنى الراجح فيه تسمى ظاهرا، ودلالته على المعنى المرجوح فيه تسمى تأويلا.
مثال الظاهر من الكتاب قوله تعالى { فإطعام ستين مسكينا } فإنه ظاهر في أن المظاهر الذي لم يستطع الصوم يجب عليه إطعام ستين شخصا مسكينا أي فقيرا لا مال له لكل مد، ولا يجزي إعطاؤها لمسكين واحد، ولا إعطاء مدين منها له أيضا؛ ويحتمل أن المراد بالمسكين المد لأنه من أسمائه، ويكون المعنى: فإطعام طعام ستين مدا، وعليه فيجزئ إعطاء جميع الكفارة لمسكين واحد ستين يوما في كل يوم مد. والأول مذهب الجمهور والثاني مذهب الحنفية.
ومثاله من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في سنن أبي داود "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له"، فإنه ظاهر في أن تبييت النية واجب في كل صيام ، لأن المعرف ب"ال" والنكرة في سياق النفي للعموم ظاهرا، ويحتمل أن المراد بالصيام صيام النذر والقضاء، فيكون المراد به بعض أفراده، وأن غيرهما من الصوم يصح بدون تبييت النية، والأول مذهب الجمهور، والثاني مذهب الحنفية أيضا.
والقاعدة الشرعية ترجيح الظاهر على التأويل عند جميع العلماء إلا إذا عضد التأويل دليل آخر من الشريعة كما في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } فإن ظاهر الآية أن المشرك وعرقه وثيابه وسائر لعابه نجس نجاسة حسية وبه تمسك الظاهرية، ويحتمل أن المراد بنجاسته النجاسة المعنوية التي هي الشرك والجنابة، وبهذا التأويل تمسك مالك وقدمه على الظاهر لأنه عضده عنده قياس العكس، وهو أن الموت لما كان سببا لنجاسة كل حيوان كان القياس أن يكون عكسها الذي هو الحياة سببا لطهارة كل حيوان، فلذلك كان الكافر وعرقه ولعابه طاهرا عند مالك.
Página 7