وطريق النجاة من هذه المهواة أن تعلم أن لله تعالى في كل فعل أو ترك يختص به العاقل حكما من الأحكام إما أمرا أو نهيا، وأما إباحة، وإما ندبا وإما كراهة ما كان ولا يكون في العقلاء إلا ذلك، فإذا كان العاقل لابد أن يكون فاعلا، أو غير فاعل، والفعل وغير الفعل لابد أن يكون حسنا أو قبيحا، أو واجبا أو ندبا أو مباحا أو مكروها، فيكون لله تعالى فيه حكم ورسم، فإذا العاقل المكلف ليس له أن يتصرف في دار مملكة الله تعالى في فعل ولا ترك إلا بإذن، ولا تحصل له معرفة ما يأذن الله تعالى فيه وما لا يأذن في الأكثر إلا بنظر أو بحث لأرباب النظر، فقد صار النظر والبحث لأرباب النظر لازما في حكم الأفعال، وحكم تركها من أعظم الواجبات وأقواها، فإن تحقق الحكم أقدم عليه على حسبه، وإن لم يتحقق الحكم عمل على الأحوط المتحقق، إن كان في المال واشتبه عليه فيه التحليل والتحريم عمل على الترك، من غير اعتقاد لتحليل ولا لتحريم، فإن الأعتقاد أيضا فيه حكم ولم يعرفه بعد فتجرأ فيه وكذلك يتجرأ في أمور العبادات وغيرها وهذا باب كبير وهو باب السلامة، وتفصيله يطول ويخرج عن العرض، ويكفي فيه قول النبي (إن الحرام بين والحلال بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعرفها كثير من الناس، فمن تركهن استبرأ من الريبة لدينه، وإن واقعهن واقع الحرام، ومثل ذلك مثل رجل رعي حول الحمي فيوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى وحمى الله في الأرض محارمه) (1) وقال بعض السلف: كنا نترك تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام.
Página 28