La Misión Copta Etíope en Rusia: Su Excelencia Anba Mattaous en Tierras Rusas
الإرسالية القبطية الحبشية في البلاد الروسية: نيافة الأنبا متاءوس في بلاد الروس
Géneros
هكذا ظلت الباخرة (أوليج) سائرة بنا مدة 27 ساعة، إلى أن وصلت مدينة القسطنطينية في ظهر اليوم الثاني (الثلاث 5 منه)، فاستقبلنا جناب المسيو مايكوف الترجمان الثاني للسفارة المسكوبية، وسار بنا لدار السفارة المذكورة التي تبعد عن شاطئ البحر الأسود بمسافة كيلومتر واحد، وكان في انتظارنا جناب المسيو نشارباتشوف وكيل السفير وجميع مستخدمي السفارة، فتناول نيافته الغداء في الساعة 2 بعد الظهر وظل هناك ساعة ونصفا، وأخيرا ساروا بنا إلى فندق بجانب السفارة المومى إليها يدعى «لوكندة المنظر الجميل» وهذه اللوكندة واقعة في غرب البوسفور، وعلى ارتفاع 60 مترا منه، ولها طريقان؛ الأول من جهة البوغاز المذكور، والثاني من عطفة واقعة جهة الشمال، وحولها بعض الأشجار وبساتين صغيرة، وأما مدخلها فهو من جهة الشمال، وهي مؤلفة من طبقتين ومبنية من الخشب، ومنها يطل الإنسان على البوغاز المذكور من الجهة الشرقية. وقبل الدخول يجد الإنسان على اليمين ردهة عظيمة لتناول الطعام، وعلى بعد 5 أمتار منها يجد على الشمال مطبخ هذا الفندق، وخلفه وبجانب الصالة الكبرى صالة صغيرة ببلكون يطل على البوغاز، وهي مخصصة لأشغال المسافرين الخصوصية، وأمامها درج الفندق، فإذا صعد الإنسان يجد طرقة عظيمة وعلى يسارها عشرين حجرة وكلها لجهة البوغاز، وعلى اليمين غرف أخرى، والجزء الباقي يطل على بستان من البساتين السابقة الذكر، ثم يعبر مثلما عبر أول دفعة فيجد الطبقة الثانية، وهي كالطبقة الأولى، وفي الطبقة الثانية صالة خصوصية كان يتناول فيها الطعام نيافة المطران وجناب وكيله، وبجانبها حجرته، ولها بابان أحدهما من الصالة والثاني من ذات الطرقة، وبجانبها حجرة الوكيل ثم الصراف الخصوصي ثم الترجمان (المؤلف)، ومن الجهة الأخرى حجر باقي الأشخاص، وأجرة كل نازل في الطبقة الثانية 13 فرنكا يوميا، وفي الثانية 10 فرنكات بما فيه الأكل.
وقد مكثنا في هذه اللوكندة مدة 5 أيام لغاية يوم السبت، ففي اليوم الأول (الثلاث 5 منه) لم تتيسر لنا الزيارة.
وفي اليوم الثاني (الأربع 6 منه ) الساعة 9 صباحا قصدنا زيارة قداسة بطريرك الروم بالقسطنطينية، وكان معنا جناب المسيو مايكوف الوكيل المعين لنا من قبل السفارة الروسية، فأخذنا الرفاص المعد لنا أثناء الإقامة بالآستانة لكي ننتقل به من مكان لآخر لغاية المدينة التي تبعد عن محل إقامتنا بمسافة 20 كيلومترا بالبوغاز المشار إليه، وعندما استقر الرفاص ركبنا العربات ولبثنا سائرين مدة نصف ساعة، وفي أثناء الطريق عبرنا كبريا مبنيا على البوسفور طوله نحو كيلومتر واحد، ولما وصلنا استقبلنا خارج القصر جناب وكيل البطركخانة وجملة من الكهنة، وساروا إلى قداسته فاستقبلنا على بعد مترين من كرسيه، وبعد التسليمات والتحيات جلس نيافة مطران الحبشة على يمينه ودار الحديث بينهما باللغتين اليونانية والفرنساوية، وكان ترجمان قداسته يلقي إلي الكلام من اللغة اليونانية والفرنساوية وأنا أنقل بالعربية، ثم تناولنا القهوة والشاي ولبثنا نصف ساعة، فخرجنا في الساعة 11 بعدما ودعنا قداسته على باب الردهة، وطلب من نيافة المطران إبلاغ التحيات لجلالة ملك الحبشة، وقبل الخروج زار نيافته كنيسة البطركخانة. وبعد بضعة دقائق ركبنا العربات وقصدنا اللوكندة بالمدينة حيث تناولنا الغذاء فيها.
وفي الساعة واحدة عدنا بالرفاص إلى محل إقامتنا بعدما عبرنا عدة شوارع في المدينة على سبيل التفرج، وفي اليوم الثالث من إقامتنا، وفي يوم الخميس (أو صيام العذراء) قصدنا في الساعة 11 صباحا زيارة جامع أجيا صوفيا، فدخلناه في الساعة 12 وخمس دقائق، فعبرنا أولا طرقة عظيمة يبلغ ارتفاعها نحو أربعين مترا وهي مجوفة من جهة الشمال، وبابا آخر مرتفعا نحو ثلاثة أمتار وهو باب الصلاة، فعندما دخلنا منه نظرنا ردهة كبيرة وعلى يمينها وشمالها على ارتفاع 15 مترا تقريبا محلات أشبه ببلكونات حول هذه الردهة، وهكذا على بابها وفي وسطها عدة أعمدة من الرخام الأزرق الملون المنقوش، وفوق البعض منها كنا نشاهد كتابة نصها «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وأخرى «عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه» وأخرى «عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه» وهكذا. وأما من الجهة الشرقية فكنا نشاهد بابا هائلا ارتفاعه نحو أربعة أمتار وعرضه متران وفوقه نقش بديع في الحائط نفسه، وكذا حول الباب العظيم، ثم قبة أعلاه وقبتين مستطيلتي الشكل أمام كل من البلكونات التي حول الردهة المتقدم ذكرها؛ أعني الجزء المحصور بين الأعمدة والبلكونات.
ومن باب مدخل هذا الجامع للباب الشرقي المغلق وهو محصور بين صفي الأعمدة المتقدم ذكرها وبأعلاه ثلاث قبات؛ واحدة منها أمام باب المدخل، وأخرى أمام الباب المغلق، وبين هاتين القبتين القبة الثالثة العظيمة التي تظهر للمسافرين على بعد 40 كيلومترا من بحر مرمرة، وأما على يسار الباب المغلق فيوجد محل مرتفع أشبه بكشك عظيم، وهو الموضع الذي كان الملك يمضي فيه الصلاة، وبالحائط آثار بعض الملوك القدماء، وفي هذا الجامع يعلمون الأولاد القرآن الشريف، فخرجنا منه في الساعة الثانية مساء متعجبين من هذا الجامع المصنوع كله من الرخام الملون.
وفي اليوم نفسه دعانا جناب وكيل السفير لزيارة المراكب الحربية المعدة للسفارة المومى إليها، فصاحبنا جناب وكيلنا الخصوصي وسار بنا لأول مركب، فكان في انتظارنا جناب القبطان والضباط العشرة وكانت البحارة مصفوفة بأجمل نظام، فلما دخلناها صرخ هؤلاء البحارة بصوت واحد: «فليعش الإمبراطور مناليك ملك ملوك الحبشة، فليعش الإمبراطور نقولا الثاني إمبراطور الروسيا، فليعش نيافة مطران الحبشة المعظم.» وبعد التسليمات والتحيات مر نيافته على الصفوف وحياهم بالسلام.
ثم صعدوا بنا أعلى الباخرة فشاهدنا المدافع مصفوفة حولها، وكان البعض منها كبيرا والبعض صغيرا، فكانت البحارة تضع بها الرصاص أمامنا، وكانوا يفرضون أن الأعداء على مقربة منهم، فيصوبون الطلقة عليهم، ثم أخرجوا الرصاص ثانيا وفرضوا حدوث حريق في تلك الباخرة، فما كنا ننظر إلا وجميع البحارة مسرعون بأخذ الطلمبة وإخماد تلك النيران، ثم فرضوا أيضا أن شخصا قد سقط في المياه، فنزل عدد من البحارة ومعهم قارب صغير ينقذونه من هذا الخطر، ثم نزلوا بنا إلى أسفل المركب فكنا نجد جميع الأشياء الدقيقة التي تحتاج إليها تلك الباخرة، ثم بعض حجر للمرضى، وشاهدنا مريضين فطلب نيافة المطران منه تعالى أن يهب لهما الشفاء العاجل، وبعد بضع دقائق صعدنا ثانيا فتناولنا الشاي وما طاب من الفاكهة ، وشرب الجميع على صحة جلالتي الإمبراطور مناليك وإمبراطور الروسيا ونيافة المطران وجميع من شرف هذا المحفل العظيم.
وما دقت الساعة الثانية إلا وودعنا جميع من كان في الباخرة ونحن في أشد العجب من محبة أفراد هذا الشعب العظيم لبعضهم البعض، وبالأخص لطفهم مع الزائرين. ولما غادرنا الباخرة الأولى قصدنا الثانية التي تبلغ ثلاثة أرباع حجم الأولى، فوجدنا بها 6 ضباط وثمانين بحريا، فاستقبلنا جناب القبطان على باب الباخرة، وكذا جميع الضباط، وكانت البحارة مصفوفة على الجانبين، وبالجملة عاملونا تلك المعاملة نفسها وتناولنا ما طاب لنا، ولبثنا نحو 45 دقيقة ثم ودعناها ونحن آسفون على فراق هذا الشعب الحالة عليه نعمة الرحمن، ولما أصبح صباح الجمعة كان هو اليوم الذي طالما كنا ننتظره في كل أيام حياتنا.
مقابلة جلالة السلطان
إن هذا اليوم يعد من الأيام المعدودة في حياتنا، كيف لا وهو اليوم العظيم الذي قد حظينا فيه بمقابلة مولانا وولي نعمتنا جلالة السلطان الأعظم. أجل، هو يوم عظيم أشرقت فيه شموسه وسطعت أنواره، وفيه قد أنعم علينا جلالته بالوسامات التي خلدت لنا ذكرا مجيدا بمقابلة جلالته. رفع نيافة المطران خطابا نفيسا من جلالة ملك الحبشة مكتوبا باللغة الحبشية ومترجما بالفرنساوية، وهو يتضمن أعظم التحيات والتسليمات لجلالة السلطان، وإني أذكر للقراء تفصيل هذه المقابلة:
Página desconocida