Iraq in Narrations and Signs of Turmoil
العراق في أحاديث وآثار الفتن
Editorial
مكتبة الفرقان
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م
Ubicación del editor
الأمارات - دبي
Géneros
العراق
في
أحاديث وآثار الفتن
وبيان صلة ذلك على ما يجاورها من البلدان
وفي آخره
دراسة تأصيلية لظاهرة إسقاط الفتن على الوقائع، وتقويم الدراسات الحديثة التي خاضت في ذلك، وبيان مزالقها وانحرافاتها
تصنيف أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
Página desconocida
المقدمة
إنّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له.
وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
﴿يَا أيُّهَا الَّذينَ آمَنوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأنْتُم مُسلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] .
﴿يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم الَّذي خَلَقَكُمْ منْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذي تَسَاءَلوُنَ بِهِ وَالأرحامَ إنَّ اللهَ كَانَ عَليْكُم رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] .
﴿يَا أيُّهَا الَّذينَ آمَنوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَولًا سَديدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوُلهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠-٧١] .
أما بعد:
فإنّ أمواج (فتن العصر) الذي نعيش عالية ظاهرة، متوالية، ومركزها -فيما أخبر عنه النبي ﷺ جهة المشرق بعامة، و(العراق) بخاصة، ومنها: «تهيج الفتن» (١) إلى سائر الجهات والبلدان، ولا يسلم منها إلا من عصمه الله -تعالى-.
_________
(١) قطعة من حديث صحيح، يأتي تخريجه (ص ١٤) .
1 / 5
وأبواب (الفتن) و(الملاحم) التي أخبر عنها ﷺ في أحاديث أشراط الساعة، وما كان وما يكون منها، لا تزال تنتظر باحثًا عالي الهمّة، دقيق النظر، ثاقب الفهم، راسخ القدم في العلوم الدينية بعامة، والحديثية: رواية ودراية بخاصة، عالي الكعب في التاريخ، واسع الاطلاع على أحداثه ومجرياته، صبورًا دؤوبًا في البحث والتنقيب والتمحيص، سليم العقيدة، حسن القصد؛ فإنها من أدق العلوم، وأوسعها بحثًا، وأكثرها تداخلًا.
وقد قام مجموعة من علمائنا ﵏ بواجبهم تجاه هذا الموضوع فيما مضى، وأخذ المتأخرون شروحهم وكلامهم على الأحاديث، وكأن عجلة الزمن توقفت، وتعاملوا مع أحاديث الفتن بمعزل عما يعصف من (أمواج) بالأمة.
والملاحظ بقوّة ضعف الدراسات الحديثة الجادّة حول هذا الموضوع، ولعل هذا من مظاهر اشتداد الفتن، وزاد الطين بلّة خوض بعض الذين لا علم عندهم، ولا دين لهم (١) في هذا الموضوع، وظهر ذلك على شكل دراسات ذات عناوين برّاقة (٢)، ومظاهر خلاّبة! هاجت على الأمة حديثًا بسبب ما وقع أخيرًا في (العراق) من اجتياحها الأول للكويت، وما تبعه من حصار، وحروب بعد ذلك في عصرنا الحالي.
وكثير من هذه الدراسات فيها (ركض) وراء الأحداث، وعجلة في إسقاط الأحاديث والآثار والنقول، وفوضى في الاستدلال، وخروج عن منهج العلماء في المعالجة، بل زج بعض أصحابها نفسه في مضايق، ظهر من
_________
(١) نعم؛ بعضهم كذلك، وأحلف بالله ﷿ غير حانث أنَّ واحدًا منهم -ممن له مؤلفات اشتهرت أخيرًا بشّدة- يكذب ويخترع من رأسه أسماءً لعشرات المخطوطات، ينقل منها أكاذيبه وترهاته وبواطيله، ولا وجود لها ألبتة في (الخارج)، ويعمّي ويلعب و(يدور) على السذج من المساكين من عباد الله لابتزاز أموالهم، وسيأتيك مزيد تفصيل لذلك، والله الموعد.
(٢) لي وقفة مع جملة منها في آخر كتابنا (ص ٦٣٢ وما بعد) .
1 / 6
خلالها كذبه، إذ كان يقطع بوقوع كذا في وقت كذا (١)،
دون أدنى دليل صريح، وإنما الاستنباط والترجيح، دون فهم رجيح، لوقوع ذلك من قبل بعض النكرات ممن ليس لهم مشاركات جادة في العلوم الشرعية على وجه مليح، يسرُّ أصحاب المنهج الصحيح.
وحاولتُ جاهدًا في هذه الدراسة (٢): إبراز الأحاديث والآثار التي فيها ذكر الفتن التي وقعت وستقع في العراق وجهتها وما جاورها، وبيان الصحيح
_________
(١) استدل بعض أهل البدع والهوى بأحاديث الفتن على إثبات الغيب لرسول الله ﷺ، وهذا جهل من هؤلاء؛ لأنّ علم الغيب مختص بالله -تعالى-، وما وقع منه على لسان رسول الله ﷺ فمن الله بوحي، والشاهد لهذا قوله -تعالى- ﴿عَالم الغَيب فَلا يُظهِر على غَيبِهِ أحدًا. إلا مَن ارتضى مِنْ رَسُول﴾ [الجن: ٢٦-٢٧]؛ أي: ليكون معجزة له. فكل ما ورد عنه ﷺ من الأنباء المنبئة عن الغيوب ليس هو إلا من إعلام الله له به إعلامًا على ثبوت نبوته، ودليلًا على صدق رسالته ﷺ.
قال علي القاري في «شرحه الفقه الأكبر» (ص ١٢٣): «إن الأنبياء لم يعلموا المغيبات من الأشياء إلا ما أعلمهم الله أحيانا، وذكر الحنفية تصريحًا بالتكفير باعتقاد أن النبي ﷺ يعلم الغيب لمعارضته قوله -تعالى-: ﴿قُل لاَ يَعلَمُ مَن في السّماوات والأرض الغيبَ إلا الله﴾ [النمل: ٦٥]» .
وفي «عون المعبود» (١١/٣٠٦): «وبالجملة لا يجوز أن يقال لأحد إنه يعلم الغيب. نعم الإخبار بالغيب بتعليم الله -تعالى- جائز، وطريق هذا التعليم إما الوحي أو الإلهام عند من يجعله طريقًا إلى علم الغيب» .
وفيه: «وفي «البحر الرائق»: لو تزوج بشهادة الله ورسوله لا ينعقد النكاح، ويكفر لاعتقاده أن النبي ﷺ يعلم الغيب» .
قلت: إذا كان هذا في حق رسول الله ﷺ، فما بالك بالأوباش الذين تعدوا على علم الغيب، وخاضوا فيما لا يعلمون ولا يحسنون، وزعموا أن النصر على اليهود سيكون في وقت كذا، وخروج المهدي أو الدجال في وقت كذا، وهكذا! وانظر: «تفسير المنار» (٩/٣٩١-٣٩٢) .
(٢) كانت -بداية- خاصة بحديث: «منعت العراق ...»، ثم رأيت أن مقتضى الفهم الصحيح للحديث: جمع ما ورد عن العراق من أحاديث وآثار، فكانت بهذه الصورة التي بين يدي القراء الكرام، وللحديث المذكور نصيب كبير فيها: تخريجًا وشرحًا، مع ذكر تبويبات العلماء عليه، واستخراجهم فوائده الفقهية والعلمية، بل خصصت فوائده المستنبطة بفصل مفرد، والله الموفّق.
1 / 7
والسقيم منها، وذكر صلتها بأشراط الساعة، وربطها بما حصل وسيحصل من أحداث على أرضها، وتلمّس القواعد الكليَّة، والنظرة المنهجيّة العلمية للسلف، وكيفية فهمهم لأحاديث الفتن، وعالجت من خلال ذلك: عملية إسقاط الفتن على الواقع، وهل هذا مشروع أم ممنوع، وبيان المحاذير التي فيه، وذكرت نماذج مما يخص موضوع بحثنا (العراق) و(الفتنة) من كتب طارت أيّ مطار، في سائر البلاد والأمصار.
وتَوَّجْتُ ذلك بذكر الأسانيد من (دواوين السنّة) والكلام على رواتها (١)، وفق قواعد أهل الصنعة الحديثية، وأطلتُ النَّفس في الاستقصاء والبحث، وذكر الطرق والشواهد، وكلام الأئمة والمحدثين عليها -قديمًا وحديثًا-: صحةً وضعفًا، توجيهًا وشرحًا، وحاولت ربطها بسائر ما ورد في الباب؛ على منهج أهل الحق والصواب.
ولم أَنْسَ في دراستي هذه الآتي:
أولًا: تفنيد باطل من زعم أنّ (نجدًا) الواردة في أحاديث (الفتن)، هي دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-، وأكّدتُ ذلك بما يظهر لكل ذي عينين أنّ هذه (دعوى) باطلة كاسدة، وأنّ (دعوة) الشيخ الإمام هي الإسلام الصحيح المصفّى، وهي باقية خالدة رائجة، على الرغم من أنوف الحاقدين المموهين.
ثانيًا: التعرض لما استجدَّ من أحداث في العراق (٢) .
ثالثًا: ذكر قواعد كلية منهجية مهمّة في علم الحديث، والتخريج، مما له
_________
(١) لعل ذلك عقدة الكتاب عند بعض القراء، ولكن لا فائدة من الكتاب دون هذا العمل؛ إذ الآثار هي جل مادة الكتاب، وتخريجها وإثبات صحتها يحتاج إلى مثل هذا الجهد.
(٢) مما هو في دائرة (اليقين)، دون الوقوع في دائرة (الظن والتخمين)، والبعد عن العجلة في الإسقاط على وجه (مشين)، والله الهادي والواقي. وانظر: الآتي (رابعًا) .
1 / 8
صلة بالأحاديث المبحوثة.
رابعًا: ذكر ما جرى على أرض العراق من أحداث جسام (١)؛ مثل: فتنة التتر والمغول، وكلام المؤرخين عليها، وتحقيق صلتها بالأحاديث التي قيل إنها واردة فيها؛ من خلال نقولات لعلماء محررين مدققين.
ومثل: إخراج الكفار لأهل العراق وحصارهم ومنعهم خيرات بلادهم، وغزوهم واحتلالهم، وبيان أنّ ذلك يتكرر، وأنّ بعضَه وقع قديمًا، وبعضَه الآخر حديثًا، وسيقع -أيضًا- في آخر الزمان، ولا سيما عندما يحسر الفرات عن (جبل)، أو (جزيرة)، أو (تل)، أو (كنز) (٢) من ذهب، وأنّ الوقت كلما اقترب من قيام الساعة -والباقي منها أقل بكثير من الماضي- ظهر ذلك للعيان، وبيّنتُ خطأ من زعم أنّ المراد بهذا الكنز هو (البترول)، وأطلت -ولله الحمد- في تفصيل ذلك.
خامسًا: بيان حدود (العراق)، وأنّ المراد بذكرها في الأحاديث والآثار أوسع من حدودها الجغرافية الآن (٣)، مع ذكر الدليل، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السَّبيل.
سادسًا: يوجد في الكتاب أحاديث ضعيفة -بله موضوعة- قليلة، ولكن:
_________
(١) أومأتُ إلى ما وقع زمن الصحابة -رضوان الله عليهم- من فتن دون تفصيل.
(٢) جميع الألفاظ المذكورة واردة في أحاديث، وسيأتيك بيان ذلك في محله من هذه الدراسة -إن شاء الله تعالى-.
(٣) إسقاط المتعارف عليه عند المتأخرين على نصوص الوحي، أو الآثار، دون التنبه لهذا المدرك غفلة، تنتج عنه زلات خطيرة، كشف عن كثير منها في (باب التوحيد) ابن تيمية وغيره، وهذا الباب يحتاج إلى استقصاء وتتبع في جميع الأبواب، وهو مفيد، والعناية بـ (الاصطلاحات): تأريخًا وحصرًا للجهود التي بذلت فيها، مع بيان مناهج أصحابها، وتمييز الأصيل من الدخيل، والسابق من اللاحق؛ باب مهم، يحتاج إلى تفصيل في تصنيف مفرد، يسر الله له شادًا جادًّا من طلبة العلم الربانيين.
1 / 9
١- مصرَّح بضعفها أو وضعها، بعبارات ظاهرة، وأحكام لائحة.
٢- ذُكِرت بعضها لشيوعها وذيوعها، وشهرتها على الألسنة، ولا سيما في وقت الفتن، فالتحذير من (الشر) باب من أبواب (الخير) .
٣- فيها مستندٌ لبعض الخائضين في أحاديث الفتن، فذكرتها من باب الرّد عليهم، أو قطعًا لاستنادهم، أو تزييفًا لدليلهم.
٤- همّي في الكتاب الجمع والتقميش أولًا، ثم البحث والتفتيش، ويذكر هذا النوع؛ من باب الإحاطة والاستئناس، ومن باب تكثير العساكر والجيوش، ولما لها أثر في النفوس، على منهج أهل العلم في التصنيف، ولا سيما في مثل هذا الباب.
هذه هي مادّة الكتاب بإجمال: فإنْ أحسنت في عرضها، وأفلحت في وضع الأدلة في نصابها، وأصبت في الكلام على ضعفها وصحتها؛ فمن فضل الله ذي الجلال، وإن كانت الأخرى؛ فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر اللهَ ذا الكمال، ودينُ الله بريء منه، وأنا تائب عنه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب
أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
عمان - الأردن
1 / 10
فصل
في بيان أنّ العراق تهيّج منها الفتن،
وصلتها بأهمّ فتن هذا العصر
أخرج البخاري في «صحيحه» في كتاب الاستسقاء (باب ما قيل في الزلازل والفتن) (رقم ١٠٣٧) وكتاب الفتن (باب قول النبي ﷺ: «الفتنة من قبل المشرق») (رقم ٧٠٩٤)، ومسلم في «صحيحه» في كتاب الفتن وأشراط الساعة (باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان) (رقم ٢٩٠٥) بسنديهما إلى نافع، عن ابن عمر، قال:
ذكر النبي ﷺ، قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا؟! قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا؟! -فأظنه قال في الثالثة-: «هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان» لفظ البخاري.
ولفظ مسلم (٢٩٠٥) بعد (٤٥) من طريق الليث (١)، عن نافع به: «أنه سمع رسول الله ﷺ، وهو مستقبل المشرق، يقول: ألا إن الفتنة ها هنا، ألا إن الفتنة ها هنا؛ من حيث يطلع قرن الشيطان»، وفي لفظ له (بعد ٤٦) من طريق عبيد الله (٢)،
_________
(١) وهو ابن سعد، وروايته عن نافع به مختصرة، أخرجها: البخاري (٧٠٩٣)، وأحمد (٢/٩٢) وأبو عوانة في «المسند» -كما في «إتحاف المهرة» (٩/٢٦٨ رقم ١١٠٩٦) -، وأبو الجهم العلاء الباهلي في «جزئه» (ص ٤١/رقم ٥٣) -ومن طريقه أبو إسحاق التنوخي في «نظم اللآلي بالمئة العوالي» (ص ٩٦/رقم ٥٩) - وابن قطلوبغا في «عوالي الليث بن سعد» (ص٧٠/رقم ١١) .
(٢) هو عبيد الله بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ثقة ثبت، روايته عند: أحمد (٢/١٨)، وأبي عوانة -كما في «إتحاف المهرة» (٩/٢٢٦ رقم ١٠٩٥٤) -، والبزار في «البحر الزخار» (١٢/٧٣ رقم ٥٥٢١ - بمراجعتي)، وأبي عمرو الداني في «الفتن» (١/٢٤٥) .
ورواه جمع باختصار عن نافع، وهذا ما وقفت عليه: =
1 / 11
عن نافع به: «إن رسول الله ﷺ قام عند باب حفصة (١)، فقال بيده نحو المشرق: الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان» قالها مرتين أو ثلاثًا.
وفي لفظ له ولأحمد (٢/١٨): «قام رسول الله ﷺ عند باب عائشة»، وفي لفظ للبخاري في كتاب فرض الخمس (باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ﷺ وما نسب من البيوت إليهن) (رقم ٣١٠٤): «قام النبي ﷺ خطيبًا، فأشار نحو مسكن عائشة، فقال: هنا الفتنة -ثلاثًا- من حيث يطلع قرن الشيطان» .
وهنالك ألفاظ عن نافع في الحديث لا بد من إيرادها؛ لتعلّقها بموضوع بحثنا، ولأنها توضح المراد بلفظة (نجد) الواردة في رواية البخاري السابقة، هي:
ما أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٢/٣٨٤ رقم ١٣٤٢٢) من طريق إسماعيل بن مسعود: ثنا عبيد الله بن عبد الله بن عون، عن أبيه، عن نافع، به. ولفظه:
«اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك في يمننا، فقالها مرارًا، فلما كان في الثالثة أو الرابعة، قالوا: يا رسول الله! وفي عراقنا؟ قال: «إنّ بها الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان» .
_________
= * جويرية بنت أسماء، أخرجه البخاري (٣١٠٤) .
* موسى بن عقبة، أخرجه البزار في «البحر الزخار» (١٢/٧٤ رقم ٥٥٢٢ - بمراجعتي) .
* صالح بن كيسان، أخرجه -أيضًا- البزار (رقم ٥٥٢٣ - بمراجعتي) .
* عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أخرجه أبو عوانة -كما في «إتحاف المهرة» (٨/٣٥٢ رقم ٩٥٤١) - وروايته عن نافع مقرونة بسالم.
وله عن نافع طرق أخرى في ألفاظها كلام، سيأتي التنبيه عليها -إن شاء الله تعالى-.
(١) قال شيخنا الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٥/٦٥٣) في هذه اللفظة: «وهي شاذة عندي» !!
1 / 12
وهذا إسناد جيد، عبيد الله معروف الحديث. قاله البخاري في «التاريخ الكبير» (٥/٣٨٨ رقم ١٢٤٧)، وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (٥/٣٢٢) عن أبيه: «صالح الحديث» .
وتابعه أزهر بن سعد أبو بكر السمان في روايته عن أبيه (عبد الله بن عون)، أخرجه البخاري (١) (١٠٣٧، ٧٠٩٤) -ومن طريقه أبو المعالي المقدسي في «فضائل بيت المقدس» (ص ٤٣٠)، وجمال الدين المراكشي في «تخريجه مشيخة الإمام المراغي» (ص ٤١٤) -، والترمذي (٣٩٤٨)، وأحمد (٢/١١٨) وابن حبان (٧٢٥٧ - «الإحسان»)، والبغوي في «شرح السنة» (١٤/٢٠٦ رقم ٤٠٠٦)، وابن جميع في «معجم شيوخه» (ص ٣٢٤-٣٢٥/رقم ٢٩٧) -ومن طريقه الذهبي في «السير» (١٥/٢٨٦-٢٨٧، ٣٥٦) -، وابن عساكر (١/١٣٢، ١٣٣-١٣٤، ١٣٤)، وصححوه جميعًا (٢)، عدا أحمد وابن عساكر، وعند جميعهم: «نجدنا»، مكان «عراقنا»، وهي هي، ووقع التصريح به في بعض روايات سالم بن عبد الله عن أبيه، وهذا التفصيل:
أخرج الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (٢/٧٤٦-٧٤٧)، والمخلّص في «الفوائد المنتقاة» (ج٧/ق٢-٣)، والجرجاني في «فوائده» (ق١٦٤/ب)، وأبو نعيم في «الحلية» (٦/١٣٣)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (١/١٣٠، ١٣٠-١٣١ - ط. دار الفكر) من طريق توبة العنبري، عن سالم، به. ولفظه: «اللهم بارك لنا في مكّتنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في شامنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدِّنا»، فقال رجل: يا رسول الله! وفي عراقنا، فأعرض عنه، فردّدها ثلاثًا، كلُّ ذلك يقول الرجل: وفي عراقنا، فيُعرض عنه، فقال:
«بها الزلازل والفتن، وفيها يطلُع قرنُ الشيطان» .
_________
(١) صدرنا الباب بألفاظه، فانظرها.
(٢) قال الذهبي في «السير» (١٥/٣٥٦) عنه: «هذا حديث صحيح الإسناد غريب» .
1 / 13
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وتوبع توبة، تابعه زياد بن بيان.
أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٤/٢٤٥-٢٤٦ رقم ٤٠٩٨ - ط. الحرمين)، وأبو الطاهر الذهلي -ومن طريقه ابن عساكر (١/١٣١-١٣٢) - من طريق حماد بن إسماعيل ابن علية، قال: نا أبي، قال: نا زياد بن بيان، قال: نا سالم به، ولفظه:
«صلى النبي ﷺ صلاة الفجر، ثم انفتل، فأقبل على القوم، فقال: ...» وذكره، وفي آخره: «فقال رجل: والعراق يا رسول الله؟! قال: من ثَمّ يطلع قرنُ الشيطان، وتهيجُ الفتن» .
وقال عقبه: «لم يرو هذا الحديث عن زياد بن بيان إلا إسماعيل ابن علية، تفرد به ابنه حماد» !
قلت: ليس كذلك، فقد رواه عن إسماعيل ابن علية: عمر بن سليمان الأقطع -أيضًا-.
أخرجه أبو علي الحراني في «تاريخ الرقة» (ص ٩٥- ٩٦/رقم ١٤٥)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (١/١٣٢)، وابن العديم في «بغية الطلب» (١/٣٤٢-٣٤٣) من طريق سليمان بن عمر بن خالد الأقطع: نا إسماعيل بن إبراهيم ابن عليّة، به مثله.
وهذا إسناد جيد.
وأخرجه الربعي في «فضائل الشام» (١١/٢٠) من هذا الطريق، وعنده زيادات في آخره تخص المدينة وفضلها، فالمقام لا يتسع للتفصيل فيها (١) .
_________
(١) انظر: «تخريج أحاديث فضائل الشام» (ص ٢٥-٢٧) لشيخنا الألباني؛ ففيه كلام مفصّل عليه.
1 / 14
* سائر طرق الحديث عن سالم عن ابن عمر
وورد عن سالم من طرق مختصرًا، دون التصريح بذكر العراق، وهذا ما وقفت عليه منها:
* الزهري
أخرجه البخاري في كتاب المناقب (باب منه) (٣٥١١): حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عنه بلفظ: «سمعت رسول الله ﷺ يقول وهو على المنبر: ألا إن الفتنة ها هنا -يشير إلى المشرق- من حيث يطلع قرن الشيطان» .
وهكذا أخرجه أحمد (٢/١٢١)، ورواه (٢/١٤٠) من طريق عقيل.
ومسلم (٢٩٠٥) من طريق يونس.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (١١/٤٦٣ رقم ٢١٠١٦) -ومن طريقه الترمذي (٢٢٦٩) -، والبخاري (٧٠٩٢) من طريق معمر، ولفظه:
«ها هنا أرض الفتن -وأشار الى المشرق-، وحيث يطلع قرن الشيطان» كلهم عنه، به.
* حنظلة بن أبي سفيان الجُمحيّ
أخرجه مسلم (٢٩٠٥) بعد (٤٩)، وأحمد (٢/٤٠) من طريق إسحاق ابن سليمان، وأحمد (٢/١٤٣) عن ابن نمير، وأبو عوانة في «المسند» -كما في «إتحاف المهرة» (٨/٣٣٤ رقم ٩٤٩٦) - من طريق مخلد بن يزيد، والبزار في «البحر الزخار» (١٢/٢٧١ رقم ٦٠٦١ - بمراجعتي) من طريق روح بن عبادة؛ جميعهم عنه، به.
ولفظ مسلم: «سمعت رسول الله ﷺ يشير بيده نحو المشرق، ويقول: ها إنّ الفتنة ها هنا، ها إنّ الفتنة ها هنا -ثلاثًا-؛ حيث يطلع قرن الشيطان» .
1 / 15
* عقبة بن أبي الصَّهباء، أبو خريم البصري
أخرجه أحمد (٢/٧٢): حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم -واسمه: عبد الرحمن بن عبد الله-، وأبو يعلى (٩/٣٣٨-٣٣٩ رقم ٥٤٤٩): حدثنا أبو عامر حوثرة بن أشرس والدولابي في «الكنى والأسماء» (١/١٦٨) من طريق مسلمة بن إبراهيم؛ جميعهم عن عقبة، به.
ولفظ الدولابي: «صلى النبي ﷺ ذات يوم صلاة الصبح، فلما أن قضى صلاته، قام، فاستقبل مطلع الشمس، ثم نادى: ألا إن الفتن من ها هنا، ألا إن الفتن من ها هنا، ثلاث مرات، ومن ثم يطلع قرن الشيطان»، وهذا أتم الألفاظ، ولفظ أحمد وأبي يعلى بنحوه مع اختصار.
وعقبة وثّقه ابن معين في رواية الدوري (٢/٤٠٩) وابن الهيثم في «من كلام أبي زكريا ...» (ص ٤٠، ٥٠)، وقال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (٦/٣١٢): «محله الصدق»، وذكره ابن حبان في «الثقات» (٧/٢٤٧) .
* عكرمة بن عمار
أخرجه مسلم (٢٩٠٥) بعد (٤٨)، وأحمد (٢/٢٣، ٢٦) من طريق وكيع، وأبو عوانة -كما في «إتحاف المهرة» (٨/٣٤٧ رقم ٩٥٢٧) - من طريق أبي عبيدة إسماعيل بن سنان الرفاعي عنه، به.
ولفظ مسلم: «خرج رسول الله ﷺ من بيت عائشة، فقال: رأس الكفر من ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان» . يعني: المشرق.
وهذا لفظ مجمل يُفْرِح المبتدعة (١)، وهم يذكرون ما لهم، وسائر
_________
(١) ذكر عبد الحسين (!!) الشيعي في «المراجعات» (ص ٢٥٤) هذا الحديث ضمن طعونات له -عامله الله بما يستحق- لعائشة، وأوهم القراء أن إشارته ﷺ إنما هي لمسكن عائشة، قال في معرض كلامه عنها ﵂: «ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة، حيث جابت في حرب أمير المؤمنين - يريد: عليًّا ﵁ الأمصار، وقادت في انتزاع ملكه وإلغاء دولته ذلك =
1 / 16
الألفاظ عليهم.
وأخرجه ابن المقرئ في «معجمه» (ص ٢٢٨/رقم ٧٥٨) من طريق النضر بن محمد: ثنا عكرمة، قال: جاء رجل -يقال له: جابر الجعفي- إلى سالم بن عبد الله، فقال: إنّ رجلًا مسح وجهه وهو محرم، فوقعت من لحيته شعرة، فقال له سالم: أعراقيّ أنت؟ اخرج عني، قال له: إنما أسألك -عافاك الله-! وجعل يتبعه ولا يفارقه. فقال له سالم: نشدتك بالله! هل خرجت مع ابن المهلب؟ قال: لا. قال له سالم: إنَّ أبي عبدَالله بنَ عمر حدثني، أن رسول الله ﷺ خرج عليهم من حجر عائشة، فقال لهم: «رأس الكفر من ها هنا، من قبل المشرق ...» .
_________
= العسكر الجرار» !
فهذا الكلام يوهم أن عائشة هي الفتنة، وبرأها الله من ذلك، كما برأها من المنافقين من قبل!
قال شيخنا الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٥/٦٥٧) تحت رقم (٢٤٩٤) ما نصه:
«والجواب: أن هذا هو صنيع اليهود الذين يحرفون الكلم من بعد مواضعه، فإن قوله في الرواية الأولى: «فأشار نحو مسكن عائشة»، قد فهمه الشيعي كما لو كان النص بلفظ: «فأشار إلى مسكن عائشة» ! فقوله: «نحو» دون «إلى» نص قاطع في إبطال مقصوده الباطل، ولا سيما أن أكثر الروايات صرحت بأنه أشار إلى المشرق، وفي بعضها العراق، والواقع التاريخي يشهد لذلك.
وأما رواية عكرمة فهي شاذة، ولو قيل بصحتها، فهي مختصرة جدًّا اختصارًا مخلًاّ، استغله الشيعي استغلالًا مرًّا، كما يدل عليه مجموع روايات الحديث، فالمعنى:
خرج رسول الله ﷺ من بيت عائشة ﵂، فصلى الفجر، ثم قام خطيبًا إلى جنب المنبر (وفي رواية: عند باب عائشة)، فاستقبل مطلع الشمس، فأشار بيده، نحو المشرق (وفي رواية للبخاري: نحو مسكن عائشة)، وفي أخرى لأحمد: يشير بيده يؤم العراق.
فإذا أمعن المنصف المتجرد عن الهوى في هذا المجموع قطع ببطلان ما رمى إليه الشيعي من الطعن في السيدة عائشة ﵂، عامله الله بما يستحق» .
قال أبو عبيدة: ونحوه في «السلسلة الضعيفة» (١٠/٧١٤-٧١٥ رقم ٤٩٦٩)، والأحبُّ إليّ أن يقال: إن الرواية مجملة، وليست اللفظة بشاذّة، والله أعلم.
1 / 17
* عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر
أخرجه أبو عوانة -كما في «إتحاف المهرة» (٨/٣٥٢ رقم ٩٥٤١) - من طريق الوليد بن مزيد: سمعت عمر بن محمد، حدثني سالم ونافع، به.
وأخرجه البزار في «البحر الزخار» (١٢/٢٧١ رقم ٦٠٦٣) من طريق أبي عاصم عنه عن سالم وحده، به.
* فضيل بن غزوان
أخرجه مسلم (٢٩٠٥)، وأبو يعلى (٩/٣٨٣، ٤٢٠-٤٢١ رقم ٥٥٥١، ٥٥٧٠)، وأبو عوانة -كما في «إتحاف المهرة» (٨/٣٥٤ رقم ٩٥٤٨) -، والبزار في «البحر الزخار» (١٢/٢٧٢ رقم ٦٠٦٤ - بمراجعتي)، وأبو الفضيل عبيد الله بن عبد الرحمن في «حديث الزهري» (١/٢٩٤-٢٩٥ رقم ٢٦٦)، والبيهقي في «الشعب» (٤/٣٤٦ رقم ٥٣٤٨) من طرق عن ابن فضيل -وسمّي عند غير مسلم بمحمد-، عن أبيه، قال: سمعتُ سالم بن عبد الله بن عمر يقول:
يا أهل العراق! ما أسأَلَكُم عن الصَّغيرة، وأركَبَكُم للكبيرة، سمعتُ أبي عبدَالله بن عمر يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: إن الفتنة تجيء من ها هنا، وأومأ بيده نحو المشرق، من حيث يطلع قرن الشيطان، وأنتم يضرب بعضُكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون، خطأً، ... فقال الله ﷿ له: ﴿وقَتَلتَ نَفسًا فَنَجّينَاك مِنَ الغَمّ وفَتَنّاك فُتونًا﴾ ... [طه: ٤٠] .
وهذه الرواية تشهد لما سبق في أن المراد بالمشرق: أهل العراق، وعلى ذلك كان يحمله سالم بن عبد الله، ولذا قال أوله: «يا أهل العراق! ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة» .
وممن رواه عن ابن عمر غير مولاه نافع، وابنه سالم:
1 / 18
* عبد الله بن دينار
أخرجه مالك في «الموطأ» في الاستئذان (٢٩) (٢/٩٧٥) (باب ما جاء في المشرق)، ومن طريقه البخاري (٣٢٧٩)، ولفظه: «رأيت رسول الله ﷺ يشير إلى المشرق، فقال: ها إن الفتنة ها هنا، إن الفتنة ها هنا؛ من حيث يطلع قرن الشيطان» .
وأخرجه من طرق (١) عن ابن دينار مختصرًا: البخاري في كتاب الطلاق (باب الإشارة في الطلاق) (٥٢٩٦)، وأحمد (٢/٢٣، ٥٠، ٧٣، ١١١)، والبزار في «البحر الزخار» (١٢/٢٩١ رقم ٦١٢٤ - بمراجعتي)، وابن حبان (١٥/٢٥ رقم ٦٦٤٨، ٦٦٤٩ - «الإحسان»)، وأبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن في «حديث الزهري» (٢/٥٩٢ رقم ٦٣٥)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (٢/٧٤٩)، والبغوي في «شرح السنة» (٤٠٠٥)، وأبو نعيم في «الحلية» (٦/٣٤٨)، وأبو الشيخ في «ذكر الأقران» (ص ١٢١/رقم ٤٥٤) .
* بشر بن حرب النَّدَبيّ
أخرجه أحمد (٢/١٢٦)، وفي أوله: «اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي صاعنا، ومدّنا، ويمننا، وشامنا»، ثم استقبل مطلع الشمس، فقال: «من ههنا يطلع قرن الشيطان، من ههنا الزلازل والفتن» .
وأخرجه بالسند نفسه (٢/١٢٤)، ولفظه: «اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدّنا» وذكر ما في آخره (٢) .
وأخرجه ابن عساكر (١/١٣٦-١٣٧) بلفظي أحمد من طريق يونس،
_________
(١) انظر تفصيلها في «إتحاف المهرة» (٨/٤٩٧ رقم ٩٨٤٥) .
(٢) صنيع ابن حجر في «إتحاف المهرة» (٨/٢٧٤ رقم ٩٣٦٤) يقضي بأنهما واحد!
1 / 19
ومن طريق مسدد بن مسرهد؛ كلاهما عن حماد بن زيد، عن بشر، به.
ونسبه في «الجامع الكبير» (١/١١٢٣) و«كنز العمال» (١٤/١٢٥) لأبي الفرج عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني، المعروف بـ (رُسْته) .
* أنس بن سيرين
أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٧/٢٥٢ رقم ٧٤٢١ - ط. الحرمين) من طريق حماد بن سلمة عنه، ولفظه: سمعتُ رسول الله ﷺ عند حُجرة عائشة، يدعو: «اللهم بارك لنا في مدّنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا»، ثم استقبل المشرق، فقال: «من ها هنا يخرج قرنُ الشيطان والزلازل والفتن، ومن هنا الفَدَّادُون» .
وقال: «لم يروِ هذا الحديث عن حماد إلا عباد بن آدم، تفرد به ابنُه» .
ولقوله: «ومن هنا الفَدّادون» شاهد من حديث جماعة؛ منها:
* حديث أبي مسعود الأنصاري
أخرجه البخاري (٣٣٠٢، ٣٤٩٨، ٤٣٨٧)، ومسلم (٥١)، والحميدي (٤٥٨)، وابن أبي شيبة (١٢/١٨٢)، وأحمد (٤/١١٨ و٥/٢٧٣) وفي «فضائل الصحابة» (١٦٠٨)، وأبو عوانة (١/٥٨، ٥٩)، وابن منده في «الإيمان» (٤٢٥، ٤٢٦، ٤٢٧)، والطحاوي في «المشكل» (٨٠٣)، والطبراني في «الكبير» (١٧/٢٠٨، ٢٠٩ رقم ٥٦٤، ٥٦٥، ٥٦٦، ٥٦٧، ٥٦٨، ٥٦٩، ٥٧٧)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (١٦٣) من طريقين عن قيس بن أبي حازم عنه، به.
ولفظ البخاري: أشار رسول الله ﷺ بيده نحو اليمن، فقال: «الإيمان يمان -ها هنا-، ألا إن القسوة وغِلَظَ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر» .
1 / 20
و(الفدادون) جمع (فدان) والمراد به البقر التي يحرث عليها، وقال الخطابي (١): الفدان: آلة الحرث والسكة فعلى الأول: فالفدادون جمع فدان، وهو من يعلو صوته (٢) في إبله وخيله، وحرثه، ونحو ذلك، والفديد؛ هو: الصوت الشديد، وقال بعضهم: الفدادون؛ هم: الرعاة والجمالون. وقال الخطابي: إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم، وذلك يفضي الى قساوة القلب. أفاده ابن حجر في «الفتح» (٦/٣٥٢) .
* حديث أبي هريرة
أخرجه البخاري (٣٣٠١)، ومسلم (٥٢) بعد (٨٤) عن الأعرج عنه، ولفظه: «رأسُ الكفر نحو المشرق، والفخرُ والخيلاءُ في أهل الخيل والإبل، والفدّادين أهل الوبر، والسكينةُ في أهل الغنم» .
وأخرجه مالك (٢/٩٧٠)، والبخاري في «الأدب المفرد» (٥٧٤)، وأحمد (٢/٤١٨)، وأبو عوانة (١/٦٠)، وأبو يعلى (٦٣٤٠)، وابن منده في «الإيمان» (٤٣٤)، والطبراني في «الأوسط» (١٧٥٩)، والبغوي (٤٠٠٣) من طريق الأعرج.
وأخرجه أحمد (٢/٢٥٢) وفي «فضائل الصحابة» (١٦٥٨، ١٦٦١)، وابن أبي شيبة (١٢/١٨٢)، ومسلم (٥٢) بعد (٩٠)، وأبو عوانة (١/٥٩)، وابن حبان (٧٢٩٩)، وابن منده في «الإيمان» (٤٣٦، ٤٣٧، ٤٣٨، ٤٣٩) من طريق أبي صالح، وأحمد (٢/٣٧٢، ٤٠٧-٤٠٨، ٤٥٧، ٤٨٣)، ومسلم (٥٢) بعد (٨٦)، والترمذي (٢٢٤٣)، وأبو يعلى (٦٥١٠)، وابن حبان (٥٧٧٤)، وأبو عوانة (١/٥٩)، وابن منده (٤٢٨)، والطحاوي في «المشكل» (٨٠٠) من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبيه،
_________
(١) في «أعلام الحديث» (٣/١٥٢١-١٥٢٢) .
(٢) فَدَّ يَفدُّ: إذا رفع صوته، وما زالت هذه اللفظة دارجة على ألسنة العوام في بلادنا.
1 / 21
والطيالسي (٢٥٠٣) عن موسى بن مطير عن أبيه، والبخاري (٤٣٨٩)، وابن منده (٤٢٩) من طريق أبي الغيث، وأحمد (٢/٣٨٠) من طريق ثابت بن الحارث، وأحمد (٢/٤٢٥-٤٢٦) من طريق أبي مصعب -واسمه: هلال بن يزيد المازني- بألفاظ متقاربة، وفيها جميعًا: «رأس الكفر نحو المشرق» أو ما في معناه.
ولفظ أبي المغيث: «والفتنة ها هنا، ها هنا يطلع قرن الشيطان» .
وأخرجه البخاري (٣٤٩٩)، ومسلم (٥٢) بعد (٨٧) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه، وفيه: «الخيلاء في الفدادين» . والبخاري (رقم ٤٣٨٨) عن ذكوان عنه، وفيه: «والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل»، ومسلم (٥٢) بعد (٨٩) عن سعيد بن المسيب عنه، ولفظه: «والفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر» .
* حديث جابر بن عبد الله
أخرجه مسلم (٥٣) من طريق ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله ﷺ: «غِلَظُ القلوب والجفاء في المشرق، والإيمان في أهل الحجاز» .
وأخرجه هكذا: ابن حبان (١٦/٢٨٥ رقم ٧٢٩٦ - «الإحسان»)، وابن منده في «الإيمان» (١/٥٣١ رقم ٤٤٦) .
وزاد أحمد (٣/٣٣٥) وفي «فضائل الصحابة» (١٦١١)، وأبو عوانة (١/٦٠): (أهل) قبل (المشرق) .
وأخرجه أحمد (٣/٣٤٥)، والطبراني في «الأوسط» (١٠/٢٨ رقم ٩٠٦٧) من طريق ابن لهيعة، والبزار (٣/٣١٥ رقم ٢٨٣٤ - «كشف الأستار») من طريق موسى بن عقبة؛ كلاهما عن أبي الزبير، به بزيادة (أهل) -أيضًا-.
1 / 22
وأخرجه ابن أبي شيبة (١٢/١٨٣ أو ٦/٤٠٦ - ط. أخرى)، وأبو يعلى (٢/٣٥٤، ٣٦٦، ٤٧٥ رقم ١٨٩٣، ١٩٣٥، ٢٣٠٩)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (٨٦٧)، وتمام في «الفوائد» (١٥٤٧ - ترتيبه) من طرق عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر نحوه، وفيه: «قبل الشرق في ربيعة ومضر» .
وأخرجه أحمد (٣/٣٣٢) من طريق أبي بشر، عن سليمان، عن جابر رفعه بلفظ: «... وغلظ القلوب والجفاء في الفدّادين في أهل المشرق» .
وأبو بشر، جعفر بن أبي وحشية، وسليمان هو ابن قيس البصري، وكلاهما ثقة، إلا أن أبا بشر لم يسمع من سليمان. قاله البخاري، فيما نقل عنه تلميذه الترمذي (٣/٦٠٤)، وقال ابن حبان في «الثقات» (٤/٣٠٩): «ولم يره أبو بشر» .
ووردت ألفاظ في حديث ابن عمر فيها كلام، وورد عن غيره ما يؤكد ما قررناه، من أن العراق تهيج منها الفتن، ووقع التصريح فيها بذكر (العراق)، وأنها المعنية بما قدمناه في مطلع هذا المبحث، من قوله ﷺ عنها: «هناك الزلازل والفتن»، وهذا التفصيل، والله المستعان، لا رب سواه:
* طرق في ألفاظها نُكْرة
أولًا: طريق أبي عبيد حاجب سليمان عن نافع عن ابن عمر.
أخرج أبو أمية الطرسوسي في «مسند ابن عمر» (ص ٤٠/رقم ٦٩)، وأبو عبد الله القطان في «حديثه» (ق ٥٩/ب)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (١/١٣٤-١٣٥) من طريق محمد بن يزيد بن سنان، عن أبيه، حدثني أبو رزين، عن أبي عبيد حاجب سليمان، عن نافع، به. ولفظه مثل لفظ توبة العنبري (١) عن نافع؛ إلا أنّ في آخره:
_________
(١) وقد تقدم قريبًا.
1 / 23