El Clima: Una Introducción Breve
الإقليم: مقدمة قصيرة
Géneros
ما أقدم عليه ماسون من إطلاق النار على اللصين، على الرغم من عدم وجود ما يبرره على نحو تام، لا يعاقب عليه. نحن لسنا على استعداد لأن نقول إنه قد تجاوز حقوقه في حماية أملاكه؛ فدستور الولايات المتحدة ودستور لويزيانا يمنحاننا الحق في حيازة الأسلحة وحملها؛ وهذا يستتبع منطقيا أن حيازة وحمل الأسلحة يمنحاننا الحق في استخدامها للغرض الذي صنعت من أجله. لقد كان منزل الفرد دائما هو حصنه، ومن يدخله مبيتا نية إجرامية، فإنما يعرض نفسه للخطر بإقدامه على هذا. (ص703-704)
لقد كان ماسون يحمي أملاكه لا أكثر، وبوضع «تاريخ الاعتداءات السابقة على ممتلكاته» في الاعتبار (ص703)، فإنه لا يلام مطلقا على إطلاق النار على المعتدين ... ولكن، كما هي الحال بالنسبة إلى قضية أوليفر، رأى قاض آخر الأمور على نحو مختلف وعارض الحكم؛ فقد تنبه القاضي إلى حقائق أخرى. لقد كان ماسون صيادا محنكا ورجحت الأدلة أنه كان متربصا، الأهم من كل ذلك أنه «لم يكن يوجد أي شك في أن الصبيين كانا يحاولان الهرب حين أطلقت عليهما النيران»؛ فكلا الصبيين أصيب في ظهره. «كان ماسون على علم بأنهما يركضان بعيدا عن المنزل»، وكان شنيل «يقفز من على السور حين أطلق عليه ماسون النار» (ص706).
ومثلما صار للإقليم معنى في قضية أوليفر فيما يتعلق بالمفاهيم القانونية مثل «النطاقات المفتوحة» و«النطاق الملحق»، كانت هذه القضية مدعومة بمفاهيم قانونية مثل «مبدأ الحصن» (بمعنى أن استخدام القوة مبرر في الدفاع عن «حصن» الفرد)، ووجوب التراجع؛ فحين يكون الشخص مهددا بعنف جهارا يجب التراجع قبل أن يرد العنف بالعنف دفاعا عن نفسه؛ ولكن حين يكون الفرد على أملاكه يطغى مبدأ الحصن على وجوب التراجع. ولو أن ماسون قد أطلق الرصاص على الصبيين قبل أن يتسلقا سوره، لكان الاحتمال الأرجح أن يتهم بارتكاب جنحة تشويه متعمد، أو تهمة أسوأ. ولكن اجتياز الحد الفاصل يغير المدلول القانوني للحدث؛ ومن ثم يغير المدلول العملي له؛ أي معناه بالنسبة إلى الطفلين، وإلى ماسون، وإلى المفسرين الثقات لمعنى الإقليم. مرة أخرى، «هذا هو الفارق الذي يصنعه الإقليم»، وكما هي الحال مع بعض من أمثلتي التوضيحية السابقة، يعد هذا ديمقراطيا نوعا ما. ولكن، حتى إذا كانت مثل هذه الأحداث شائعة بما يكفي، فهي ليست وقائع يومية بالنسبة إلى غالبيتنا؛ فالمنظور العام يتعلق بأحداث أكثر شيوعا بكثير، مثل الإخلاءات والاعتقالات العادية، وكذا قوانين عدم الاعتقال وعدم الإخلاء. وكلتا القضيتين المتعلقتين بالملكية تكشف عن جوانب مهمة للكيفية التي يعمل بها الإقليم في عالم التجربة.
يمكن إعطاء أمثلة لا حصر لها عن الأهمية العملية للإقليم فيما يتعلق بالكيفية التي تعاش بها الحياة اليومية، وهذا من شأنه أن يثير عددا من القضايا التي تسعى هذه «المقدمة القصيرة» إلى معالجتها. ثمة سؤال يطرح نفسه على الفور: في ظل المجموعة الهائلة من الأشكال التي يتخذها الإقليم - والتي أشير إليها مجرد إشارة فقط من خلال الأمثلة التي عرضت حتى الآن - هل يمكن قول أي شيء مفيد عن الإقليم والإقليمية «في حد ذاتهما» خلاف الأشكال غير المعدودة التي يتخذانها، والغايات غير المحدودة التي يعدان وسيلة لها؟ بمعنى آخر، هل الممارسات الاجتماعية المتنوعة المرتبطة بالإقليمية فيما يتعلق مثلا بالحروب بين الدول القومية، أو حقوق الخصوصية لملاك الأراضي والعقارات، أو تخصيص مساحات للحدائق في سوازيلاند، أو القواعد الخاصة بالوصول إلى أحد مهاجع الطلاب؛ كلها أمثلة للظاهرة نفسها لدرجة أن من الممكن إصدار تعميمات تسري على سياق ما بالسهولة نفسها التي تسري بها على سياقات أخرى؟ أو هل قد يكون الأمر متمثلا في أن «الكلمة» نفسها تستخدم ببساطة لما يفضل النظر إليه باعتباره أنواعا مختلفة تماما من الأشياء؟ إذا كان الأخير هو الحال، إذا فربما تكون محاولة معاملتها وكأنها الشيء نفسه، على أفضل تقدير، تجريدا غير ملائم وغير مجد. وفي الطرح التالي سوف أبدأ بمحاولة ترك السؤال مفتوحا (والاعتراف بأن الإقليم فيما يتعلق بغزو العراق، والإقليم فيما يتعلق بغرفة نوم مراهق، بينهما أشياء مشتركة أقل مما قد يوحي به استخدام الكلمة نفسها) والافتراض، لأهداف عملية، أنه يوجد شيء مفيد لأن يقال بشأن الإقليم «في حد ذاته». جانب من أسبابي لتبني هذا الأسلوب يكمن في وجود نزعة قوية، مع استثناءات بارزة قليلة، لمناقشة الإقليم وتنظيره كما لو أن المظاهر والأشكال المختلفة له ليست حتى ظواهر مترابطة؛ فالدراسات الخاصة بالهياكل والتشكيلات الإقليمية الكبيرة والصغيرة، وتلك التي تقع «بين هذه وتلك»، غير معلومة إحداها للأخرى.
وكما سأتناول بمزيد من التفصيل في الفصل الثاني، كانت فروع معرفية أكاديمية بالدرجة الأولى تميل، حتى عهد قريب، إلى دراسة الإقليم كجانب بسيط نسبيا من الموضوعات الأكثر محورية لتلك الفروع المعرفية؛ فنجده، على سبيل المثال، ينظر إليه على نحو شائع كجانب من جوانب السيادة في نظرية العلاقات الدولية، وكتعبير عن الهوية الجمعية في الأنثروبولوجيا، وكوسيلة نحو تعزيز الخصوصية أو الأمان العاطفي في علم النفس البيئي. حتى في الجغرافيا البشرية، ذلك المجال الذي قد نتوقع فيه أن يقيم الإقليم أكثر كظاهرة في حد ذاته، كان في الأغلب الأعم يبحث ضمن الحقل المعرفي الفرعي للجغرافيا السياسية؛ ومن ثم أحيل إلى أسئلة بشأن آليات عمل الدول القومية. وقد كان للنزعة الأكاديمية نحو «تقسيم» الإقليم - وإخضاعه لما يعد تقليديا الموضوعات الجوهرية الحقيقية لكل فرع معرفي - تأثير متناقض تمثل في تهميشه كموضوع في حد ذاته، وهذا التقسيم (والتهميش) المعرفي للإقليم مفهوم إلى حد كبير؛ غير أنه كان له أثره في وأد عدد من التساؤلات في مهدها، وإضفاء هالة من الغموض حول عدد من الروابط ربما يلفت منهج أكثر تقليدية الأنظار إليها. والأهم من ذلك أن معظم المعالجات المعرفية للإقليم «تفترض» - ببساطة وبفعالية - أن الأسئلة مغلقة؛ ومن ثم لا تعالج مسألة الإقليم كإشكالية بالقدر الكافي؛ لذا سوف أفترض في الصفحات التالية أن ثمة بعض الأشياء العامة والمفيدة التي يمكن قولها بشأن الإقليم، ولعل من أهمها أن الإقليم يشيع فهمه كأداة لتبسيط وتوضيح شيء آخر، مثل السلطة السياسية، أو الهوية الثقافية، أو استقلالية الفرد، أو الحقوق. ولكي يكون للإقليم مثل هذا التأثير، لا بد أن يعامل «في حد ذاته» كظاهرة بسيطة وواضحة نسبيا؛ ولكن الإقليم، مثلما سأشير عبر صفحات هذا الكتاب الذي بين يديك، أبعد ما يكون عن البساطة والوضوح؛ فهو - كما توحي الأمثلة التوضيحية التي عرضتها حتى الآن - عنصر بالغ التعقيد، وغالبا ما يكون شديد الغموض من عناصر الحياة الاجتماعية، والعلاقات، والتفاعلات البشرية؛ ومن ثم، فإن الوسيلة المثلى لتوضيح الطبيعة العملية لمفهوم الإقليمية هي تعقيد أساليب فهمنا القائم على الحس العام مبدئيا. (2) الحياة الاجتماعية للإقليم
الأقاليم كيانات اجتماعية بشرية، وعلى الرغم من أن الإقليمية، شأنها شأن اللغة، قد تكون من منظور شديد التعميم عنصرا عالميا بشريا، فإن الأشكال المحددة التي تتخذها الإقليمية شديدة التنوع، شأنها شأن اللغة أيضا. والإقليمية عنصر مهم في كيفية قيام الجماعات - الثقافات، والمجتمعات، والكيانات الجمعية الأصغر - والمؤسسات بتنظيم نفسها مكانيا. إنها جانب من جوانب الكيفية التي يقوم بها الأفراد من البشر ككائنات مادية بتنظيم أنفسهم بالنسبة إلى العالم المادي والاجتماعي؛ لذا فالأقاليم أدوات بشرية ثقافية مهمة من نوعية خاصة نوعا ما. وكما هي الحال مع أي أدوات من صنع الإنسان - مثل الرءوس المقلصة، والصولجانات، وكرات البولينج، والقنابل العنقودية - تعكس الأقاليم وتضم سمات من النظام الاجتماعي الذي يوجدها؛ فقد كانت مظاهر الإقليمية في العصر الحجري مختلفة بالتأكيد عن مظاهر الإقليمية في العصر الإلكتروني، وأقاليم المجتمعات المثقفة تختلف عن أقاليم المجتمعات الأمية لدرجة أن هذه الأقاليم تتضمن أشكالا متباينة تباينا قويا من الحياة الاجتماعية، وصنوفا مختلفة من ممارسات التواصل. والكيفية التي يعبر بها الإقليم عن نفسه بين أشخاص ينحصر نشاطهم الاقتصادي الأساسي في الصيد المحلي وجمع الثمار بطرق مهمة؛ تختلف عن تلك الخاصة بالمشتغلين بالزراعة، بينما تختلف هذه، بدورها، عن مظاهر الإقليمية في نظام اجتماعي صناعي رأسمالي عالمي. والليبرالية السياسية تنظم في أقاليم على نحو مختلف عن الدول البوليسية الفاشية. وكل هذا يعني أن الأقاليم ليست أدوات بسيطة بأي حال، بل الأقاليم في الأساس «مقوم بنيوي» للنظام الاجتماعي تعبر عن سماته. وقد يذهب المرء إلى أبعد من ذلك بالقول بأن أي بنية ثقافية، أو نظام اجتماعي، تكون مبهمة دون وجود إشارة (ولو ضمنية) إلى كيفية التعبير عنها إقليميا؛ ولما كان الموقف هكذا، فإن أي مراجعة ذات أهمية لبنود الإقليمية (كتلك المتعلقة بالعام والخاص) تستتبع تحولا اجتماعيا كبيرا على نحو مساو (والعكس صحيح).
ويمكن النظر إلى هذه الفكرة العامة بتأمل أي من العمليات التاريخية المرتبطة بالظهور، والتغير المتواصل، والانتشار العالمي لأشكال حديثة على نحو خاص للإقليم. وعند النظر إليها من منظور عالمي، وإن كان على نحو بالغ التجريد، نجد أن الانهيار الطويل المتقطع للإقطاعية الأوروبية، وعمليات الإمبريالية والاستعمار المستوحيين من أوروبا، وعمليات تصفية الاستعمار والقوميات المتصلة به، والتشبع العالمي من الدولة القومية الإقليمية، وصعود وهبوط اشتراكية الدولة، والحروب وحركات المقاومة التي منحت من خلالها الحروب قوة مادية ... إلخ؛ كل ذلك استتبع إعادة الأقلمة المتواصلة (وإن كانت متقطعة) للحياة الاجتماعية. وهذه «العمليات» و«القوى» المجردة تكشفت جميعا على الأرض بطرق شكلت إيقاعات، وخبرات، وعلاقات، ووعي الأشخاص العاديين على مستوى عميق. والكثير من أكثر أشكال الهوية وطرق الوجود وضوحا التي تميز الحداثة ترتبط ارتباطا مباشرا بعمليات الإقليمية المتواصلة هذه على ما يبدو؛ فالمواطن، والمستوطن، والأجنبي، والمواطن الأصلي، والمالك، والمستأجر، والسجين، والمدير، واللاجئ، وواضع اليد، وآخرون لا حصر لهم؛ من ضمن الأدوار والشخصيات الاجتماعية ذات الطابع الإقليمي التي تقطن عالمنا، وهؤلاء ضمن الأدوار والشخصيات الاجتماعية التي «تمثلنا». ولما كانت هذه الشخصيات «ارتباطية» - نظرا لكونها تمثل شخصيتنا بالنسبة إلى الآخرين - فإنها تعكس التنظيم الإقليمي المعقد لشبكات العلاقات الاجتماعية؛ لذا فبينما قد يستطيع المرء أن يضع تعميمات بشأن الإقليم «في حد ذاته»، لا ينبغي أن يتصور أنه منفصل بأي حال عن تاريخ الجانب الاجتماعي، على الأقل بقدر طبيعة الجانب الاجتماعي، على نحو جزئي، من خلال الطريقة التي نظم بها من منظور إقليمي. وإذا كان من المنطقي أن نقول إن الثقافات تخلق «أو تفرز» أقاليم، فإنها تفعل هذا من خلال عملية استنساخ وإعادة تكوين نفسها (أو قد تتغير بالطبع من جراء فرض أشكال جديدة للإقليم من قبل الآخرين).
وكما أشرت سابقا، فإن أحد الجوانب المهمة للكيفية التي تعمل بها الإقليمية عموما يتيسر من خلال اعتبارها، على نحو مسلم به نوعا ما، ظاهرة شبه طبيعية. وبقدر ما يبدو الإقليم (مثل الإقليم القومي، أو الملكية الخاصة) شيئا بديهيا، أو ضروريا، أو لا يقبل الشك، فقد يضفي غموضا على دور السلطة والسياسة في تكوينه والحفاظ عليه. قد يكون من السهل تبرير الأفعال القائمة على الإقليم أو الرامية إلى ترسيخه بمزاعم «عامة» أو شمولية، ولكن لما كان الإقليم - أو أي مظهر معين له - يعد مشروطا، ومبنيا اجتماعيا، ومدعوما منطقيا، وكانت الأمور تحتدم بفعل العنف البدني؛ فحينئذ قد تصبح أشكال السلطة المرتبطة جوهريا بالإقليم أكثر وضوحا، والمبررات أكثر تحيزا أو تحزبا.
بالطبع تعد عمليات الأقلمة الخاصة موضع تنازع عادة؛ فالنزاعات الحدودية الدولية، والمناقشات بشأن ما إذا كان إجراء بعينه يعد تجاوزا، أو ما إذا كانت عملية إخلاء معينة تبرر بالقوانين، والمعارك بشأن تخصيص الرقع الزراعية بين القرويين، وما إلى ذلك، تعد وقائع يومية. ولكن لكي «تعمل» الإقليمية بفاعلية، لا يمكن التشكيك في «المبادئ الأساسية» للإقليمية؛ فحين تصبح في موضع تساؤل، مثلما يحدث عند التشكيك في الملكية الخاصة للأراضي، أو حين تقوم القوى الاستعمارية بتهجير الشعوب الأصلية، أو حين يتم تقسيم المجتمعات السياسية القائمة، أو حين تهاجم الأقاليم ذات الطابع العنصري كتلك المتصلة بجيم كرو أو التمييز العنصري؛ حينئذ تتبين الأرجحيات والاحتمالات الخاصة بالإقليم على نحو أكثر جلاء، ويسقط من الحسبان بسهولة أكبر تلك المزاعم التي تذهب إلى أن عمليات الأقلمة هذه ضرورية أو سمات طبيعية لعوالمنا الحياتية؛ فالتشكيلات الإقليمية ليست مجرد أدوات ثقافية؛ إنها إنجازات سياسية.
إذا، فالإقليمية أكبر بكثير من كونها استراتيجية للسيطرة على المكان، فيفضل فهمها باعتبارها مرتبطة بطرق التفكير والتصرف والوجود في العالم ومنطوية فيها؛ أي وسائل جعل العالم ملما بالمعتقدات والرغبات ووسائل المعرفة العرضية ثقافيا وتاريخيا. إنها ظاهرة مجازية بقدر ما هي مادية. والإقليمية، بدورها، تنقل جوانب أساسية للهويات الفردية والجمعية، وهي تشكل الوعي الذاتي وتتشكل به. وفي النظم الاجتماعية القائمة على الصراع والتناقض، والتي تتميز بدرجة كبيرة نسبيا من التفكير الانعكاسي، لا تنعكس هذه الصراعات والتناقضات في التشكيلات الإقليمية لذلك المجتمع فحسب، بل تكون خاضعة أيضا لمجموعة متنوعة من التعديلات التخيلية، ولسياسة متعددة الأوجه للإقليم؛ فبعض جوانب سياسة الإقليم قد تتعلق على نحو مباشر بالدولة الإقليمية أو تقسيماتها الفرعية، والكثير منها ليس كذلك، أو يكون كذلك على نحو أقل مباشرة. وتتضمن هذه الجوانب الصراعات الإقليمية ل «الحياة الخاصة» التي تشمل قضايا العرق، والنوع، والسن، وما إلى ذلك، أو تلك القائمة بين العائلات، والمجتمعات، والمؤسسات، وأماكن العمل.
Página desconocida