Introductions to the Science of Sects’ Articles

Muhammad ibn Khalifa Al-Tamimi d. Unknown

Introductions to the Science of Sects’ Articles

مقدمات في علم مقالات الفرق

Editorial

غر اس

Número de edición

الأولى ١٤٢٣هـ/٢٠٠٢م

Ubicación del editor

الكويت

Géneros

مقدمات في علم مقالات الفرق تأليف د/ محمد بن خليفة التميمي يسم الله الرحمن الرحيم المقدمة: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ [آل عمران ١٠٢] . ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تسآلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا﴾ [النساء ١] . ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا﴾ [الأحزاب ٧٠-٧١] . أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. وبعد، فإن لكل علم من العلوم خصائصه ومقوماته وحدوده التي تميزه عن غيره من العلوم، ولذلك فلابد لكل علم من مقدمات توضح شيئًا من جوانبه المتعلقة بتعريفه وبيان أهميته وذكر بعض أصوله وضوابطه وقواعده وحدوده، ومسالك تأليف أهل ذلك الفن ومؤلفاتهم فيه، وغير ذلك من المسائل التي يحسن بالدارس أن يحيط بها علمًا عند تناوله لذلك

1 / 2

العلم بالدراسة والتحصيل. وعلم "مقالات الفرق" هو أحد العلوم التي لقيت عناية كبيرة قديمًا وحديثًا تأليفًا وتدريسًا، ففي عصرنا الحاضر يعتبر تدريس هذا العلم في الكليات والأقسام الشرعية من الأمور الأساسية، فأحببت أن أدلي بدلوي فأعرف ببعض المقدمات الضرورية المتعلقة بهذا العلم ليستعين بها المطلع على جوانب هذا الفن، لعلها تفيده وتيسر له الإلمام بأساسياته. وليس غرضي من هذه المقدمات إعطاء معلومات تتعلق بمحتوى المادة العلمية لهذا العلم فهذا الجانب قد تناولته دراسات عديدة، وإنما الذي أهدف له هنا هو تقديم دراسة تتعلق بالجوانب العامة لهذا العلم، وقد سرت في ذلك وفق الخطة التالية: المبحث الأول: التعريف بالمقالة واستعمالها في كلام أهل العلم. وفيه مطلبان المطلب الأول: تعريف المقالة في اللغة والاصطلاح المطلب الثاني: استعمال العلماء لمصطلح المقالة المبحث الثاني: أهمية علم المقالات. وفيه مطلبان المطلب الأول: أهمية علم المقالات في القرآن والسنة. المطلب الثاني: أهمية علم المقالات عمومًا. المبحث الثالث: مناهج التأليف في علم المقالات والمؤلفات فيه. وفيه ثلاثة مطالب. المطلب الأول: مناهج التأليف في علم المقالات المطلب الثاني: الكتب المؤلفة في هذا العلم المطلب الثالث: أشهر الكتب المؤلفة في علم المقالات ومناهج مؤلفيها

1 / 3

الخاتمة: في أهمية التأليف في علم المقالات استقلالًا. وبعد، فهذا جهد المقل أضعه بين يدي القارئ الكريم، وقد بذلت فيه قصارى جهدي، وغاية وسعي، فما كان فيه من صواب وحق فالحمد لله على توفيقه، وذلك من فضله ومنه، وما كان فيه من خطل، أو زلل، أو خلل، فأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة. وأستميح القارئ الكريم عذرًا إذا ما وجد في عملي هذا تقصيرًا، فهذا جهد البشر، فأرجو من كل من اطلع على خطأ أو قصور أن يبادرني النصيحة مشكورًا مأجورًا. والله أسأل أن ينفع بهذا العمل ويبارك فيه، وأن يجعله عملًا صالحًا ولوجهه خالصًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

1 / 4

المبحث الأول: التعريف بالمقالة واستعمالها في كلام أهل العلم المطلب الأول: تعريف المقالة في اللغة والاصطلاح ... المطلب الأول: تعريف المقالة في اللغة والاصطلاح: أولًا: التعريف اللغوي: ا - أصل الكلمة وتصريفها: المقالة: مصدر على وزن (مَفْعَلَة) بفتح الميم، وإسكان الفاء، وفتح العين، بعدها لام مفتوحة فتاء، مأخوذة من القول، يقال: قال، يَقُولُ، قَوْلًا، وقِيلًا، وقَوْلَةً، ومَقَالًا، ومَقَالةً ١. والمقالة بالتاء والمقال بدونها بمعنى واحد٢. قال الفيروزآبادي: "القول: في الخير، والقال والقيل والقالة: في الشر، أو القول مصدر، والقيل والقال اسمان له، أو قال قولًا وقيلًا وقولة ومقالة ومقالًا"٣. ب - معناها: قال صاحب اللسان: "القول: الكلام على الترتيب، وهو عند المحقِّق كل لفظ قال به اللسان تاما كان أو ناقصا"٤. ثم قال: " ... فأما تجوزهم في تسميتهم الاعتقادات والآراء قَوْلًا، فلأن الاعتقاد يخفى فلا يعرف إلا بالقول، أو بما يقوم مقام القول من

١ لسان العرب ١١/٥٧٣ (مادة قول)، المصباح المنير ص٥١٩ ٢ ديوان الأدب لأبي إبراهيم بن إسحاق الفارابي تحقيق د/ أحمد مختار عمر، مراجعة د/ إبراهيم أنيس مطبعة الأمانة بالقاهرة/ ١٣٩٦. ٣ القاموس المحيط مادة (قول) . ٤ لسان العرب ١١/٥٧٢ (مادة قول) .

1 / 5

شاهد الحال، فلما كانت لا تظهر إلا بالقول إذ كانت سببًا له، وكان القول دليلًا عليها، كما يُسمَّى الشيئ باسم غيره إذا كان ملابسًا له وكان القول دليلا عليه"١. ثانيًا: التعريف الاصطلاحي: جاء في المعجم الوسيط: "المقالة: القول، والمذهب، وبحث قصير٢ في العلم أو الأدب أو السياسة أو الاجتماع ينشر في صحيفة أو مجلة"٣. وهذا يعني أن لهذه الكلمة استعمالان: أحدهما: استعمالها في فن العقيدة، وهو ما أشار إليه هنا بقوله: (المقالة: القول والمذهب) . والثاني: استعمالها في فن الأدب، وهو ما أشار إليه هنا بقوله: (بحث قصير في العلم أو الأدب........إلخ) . والذي يعنينا هنا هو الاستعمال الأول. وأما تعريف علم مقالات الفرق: فقد قال طاش كبري زاده في تعريفه: "علم مقالات الفرق ٤: هو علم باحث عن ضبط المذاهب الباطلة المتعلقة بالاعتقادات الإلهية، وهي على ما أخبر به نبينا محمد ﷺ عن هذه الأمة، اثنتان وسبعون فرقة. وموضوعه وغايته وغرضه ومنفعته ظاهرة

١ المصدر السابق ٢ المقالة في عرف الكتاب المحدثين: "مجموعة من الخواطر والتأملات لا تجري على نسق معين، وليس لها نظام خاص بل يمارس الكاتب حريته الكاملة في الطريقة التي يصوغ فيها أفكاره وتأملاته"، انظر: فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ص ٢٤٥، د/ محمد الشنطي، دار الأندلس. ٣ المعجم الوسيط ٢/٧٦٧، مادة (قول) ط/ دار الفكر. ٤ وكذا سماه حاجي خليفة في كشف الظنون بعلم مقالات الفرق.

1 / 6

جدًا."١. وهذا التعريف حدد معالم هذا الفن من فنون العلم في ثلاثة معالم بارزة هي: أولًا: قوله عن هذا العلم إنه: (علم باحث عن ضبط المذاهب الباطلة) . ثانيًا: قوله: (المتعلقة بالاعتقادات الإلهية) . ثالثًا: قوله: (وهي على ما أخبر به نبينا محمد ﷺ عن هذه الأمة، اثنتان وسبعون فرقة) فحدود هذا الفن هي البحث عن ضبط المذاهب الباطلة، فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد، عند الفرق المنتسبة لهذه الأمة. فهذا العلم يعنى بالخلاف الواقع في مسائل الاعتقاد ولا يبحث في المسائل الأخرى من أبواب الدين التي حصل فيها خلاف كمسائل الفقه والتفسير وغيرها. وفي نظري أن التعريف جيد ويعطي صورة عن مضمون هذا العلم ومحتواه. وأما تسميته لهذا العلم بـ "علم مقالات الفرق" فإن في هذا تمييزًا له عن "علم الأديان" الذي يعنى بمقالات الأمم الأخرى غير المسلمة، بينما اختص هذا العلم بمقالات الفرق المنتسبة إلى الإسلام. فالمقالات عمومًا تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: المقالات الواقعة في هذه الأمة.

١ مفتاح السعادة (١/٢٩٨) وانظر أبجد العلوم لصدِّيق حسن خان القنوجي (٢/٥١٥) فإنه عرفه بنفس التعريف.

1 / 7

القسم الثاني: مقالات الأمم الأخرى. ولذلك لما ألف أبو الحسن الأشعري في علم المقالات، ألف كتابًا سماه "مقالات الإسلاميين" وكتابًا آخر سماه "مقالات غير الإسلاميين". ولكن الذي استقر عليه الحال في الوقت الحاضر هو الفصل بين هذين النوعين من المقالات، بتسمية مقالات غير الإسلاميين بـ "علم الأديان، وتسمية مقالات الإسلاميين بـ " علم الفرق". ومن المعلوم أنه في العصر الراهن شققت بعض العلوم وفرع عنها عدة علوم ومن ذلك علم المقالات الذي تفرع إلى العلوم التالية: ١ - علم الفرق ٢ - علم الأديان ٣ - علم المذاهب المعاصرة كما هو الحال في المقررات التعليمية وبخاصة في المراحل الجامعية.

1 / 8

المطلب الثاني: استعمال العلماء لمصطلح المقالة: لاشك أن استعمال هذا المصطلح أعني "المقالات" أمر شائع وكثير في كتب المتقدمين، فكتب العلماء الأوائل ورد فيها استعمال هذا المصطلح بشكل كبير، حتى إنه من الصعب والمتعذر حصر تلك المواطن وجمعها، ولذلك فلا عبرة بما نحن عليه اليوم من ندرة استعمال هذا المصطلح وقلة استخدامه، ووجود الوحشة في أذهان بعض الدارسين عند سماعه، نظرًا لذيوع استعمال مصطلح "الفرق" مكانه. وسأورد بعض النماذج لاستعمال هذا المصطلح في كلام أهل العلم للتأكيد على صحة ما أقول. ١ - قيل لأبي حنيفة (١٥٠ هـ): "ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ قال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة، فإنها بدعة"١. ٢ - وقال أبو الحسن الأشعري (٣٢٤هـ): "فإنه لابد لمن أراد معرفة الديانات والتمييز بينها، من معرفة المذاهب والمقالات، ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات، ويصنفون في النحل والديانات ... فحداني ما رأيت من ذلك على شرح ما التمست شرحه من المقالات واختصار ذلك وترك الإطالة والإكثار"٢. ثم سرد مقالات مختلف الفرق مفتتحا الكلام على كل فرقة كبيرة بقوله مثلا: "مقالات الخوارج"٣، "مقالات المرجئة"٤، "مقالات

١ صون المنطق للسيوطي ص ٣٢٢. ٢ مقالات الإسلاميين (ص ١) . ٣ مقالات الإسلاميين (ص ٨٦) . ٤ نفس المصدر (ص ١٣٢) .

1 / 9

المعتزلة"١ وهكذا ... ٣ - وقال عبد القاهر البغدادي (٤٢٩ هـ): "وقد علم كل ذي عقل من أصحاب المقالات المنسوبة إلى الإسلام ... " ٢. وقال: "فأما الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة ... كلهم متفقون على مقالة واحدة في توحيد الصانع وصفاته ... " ٣. وقال: "الباب الثالث من أبواب هذا الكتاب في بيان تفصيل مقالات فرق أهل الأهواء"٤. ثم شرع في بيان هذه الفرق فيقول "الفصل كذا في بيان مقالات فرق كذا ... "٥. ٤ - وقال ابن حزم (ت ٤٥٦ هـ): "فإن كثيرا من الناس كتبوا في افتراق الناس في ديانتهم ومقالاتهم كتبا كثيرة جدا، ... وأضرب عن كثير من قويّ معارضات أصحاب المقالات فكان في ذلك غير منصف لنفسه ... "٦. وقال أيضًا: "وقد أفردنا في نقض هذه المقالة (وهي قول المجوس أن مدبر العالم أكثر من واحد) كتابًا ... "٧. ٥ - وقال الشهرستاني (ت ٥٤٨ هـ): "لما وفقني الله تعالى إلى

١ نفس المصدر (ص ١٥٤) . ٢ الفرق بين الفرق (ص ٩) . ٣ نفس المصدر ص ٢٦. ٤ نفس المصدر ص ٢٨. ٥ انظر نفس المصدر ص ٢٩، ٧٢، ١١٤، ٢٠٧، ٢١٥، وغيرها. ٦ الفصل (١/٢) . ٧ نفس المصدر (١/٣٤) وانظر أيضًا (٤/١٨٨-١٨٩) .

1 / 10

مطالعة مقالات أهل العالم من أرباب الديانات والملل وأهل الأهواء والنحل ... " ١. وقال أيضا: "فأهل الأهواء ليست تنضبط مقالاتهم في عدد معلوم ... " ٢. ٦ - وقال أبو محمد اليمني (من علماء القرن السادس الهجري): "فمن هذا الباب دخل أهل البدع والأهواء على ضعفاء الناس في إفساد أديانهم، والاحتجاج بمقالتهم لا سيما على من جهل غموضه (أي القرآن) ومسلكه ومتشابهه"٣. وبعد المقدمة شرع في ذكر الفرق فرقة فرقة ويفتتح الكلام على كل فرقة بقوله المقالة في ذكر كذا، نحو قوله في (١/١٨): "المقالة في ذكر فرقهم - أي الخوارج ـ"٤. ٧ - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (٧٢٨ هـ): "فهذه المقالات التي نقلت في التشبيه والتجسيم....." إلى أن قال "فأقوال أئمتهم دائرة بين التعطيل والتمثيل، لم تعرف لهم مقالة متوسطة بين هذا وهذا"٥. وقال أيضًا: "فلا يعرف في المقالات المشهورة في العلم الإلهي مقالة أبعد عن الحق من مقالتهم، فإن مقالة اليهود والنصارى في العلم الإلهي

١ في الملل والنحل ١/٣. ٢ نفس المصدر (١/٤)، وانظر أيضا (١/٥-٦،٣٨) . ٣ كتابه عقائد الثلاث وسبعين فرقة (١/٧) . ٤ نفس المصدر (١/١٨) وانظر أيضًا (١/٢٧١، ٣٢٥، ٣٥٣) وغيرها. ٥ في منهاج السنة (٢/٢٤٢) وانظر الحسنة والسيئة (ص١٠٤)، والفتوى الحموية (ص ٤٧)، ومجموع الفتاوى (٢/٧٩-٨٠)، (٤/٢١) وغيرها كثير.

1 / 11

خير من مقالتهم، ومقالات أهل البدع الداخلين في الملل، حتى الجهمية والمعتزلة ونحوهم من الطوائف التي تذمها أئمة أهل الملل هي خير من مقالتهم، وأعني بذلك مقالة أرسطو وأتباعه، وأما ما نقل عن الأساطين قبله فقولهم أقرب إلى الحق من قوله"١. وبهذه النماذج من أقوال العلماء يتضح مدى شيوع استعمال هذا المصطلح في كلامهم وجريانه في تعبيراتهم.

١ في الصفدية (٢/٢٥٠-٢٥١) .

1 / 12

المبحث الثاني: أهمية علم المقالات المطلب الأول: أهمية علم المقالات في القرآن والسنة ... المطلب الأول: أهمية هذا العلم في القرآن والسنة المتأمل في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية يجد أن هناك عناية بجانب المقالات الباطلة، فقد أوردت النصوص عددًا من المقالات المخالفة لمنهج الحق وبينت زيفها، وحذرت منها، وذمت أصحابها، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أولًا: ما جاء في القرآن الكريم: ا - ما جاء عن مقالات اليهود قوله تعالى ﴿لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق﴾ ١. وقال تعالى ﴿وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا﴾ ٢. وقال تعالى ﴿وقالت اليهود عزير ابن الله﴾ ٣ ب - ما جاء عن مقالات النصارى قال تعالى ﴿وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يظاهئون قول الذين كفروا من قبل﴾ ٤

١ الآية ١٨١ من سورة آل عمران ٢ الآية ٦٤ من سورة المائدة ٣ الآية ٣٠ من سورة التوبة ٤ الآية ٣٠ من سورة التوبة

1 / 13

وقال تعالى ﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم﴾ ١ وقال تعالى ﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة﴾ ٢ وقال تعالى ﴿يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم ورح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرًا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلًا﴾ ٣ ج - ما جاء عن مقالات منكري البعث وقال تعالى ﴿وضرب لنا مثلًا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾ ٤. وقال تعالى ﴿وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون﴾ ٥. د - ما جاء في مقالات منكري وجود الله قال تعالى ﴿ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لايهدي القوم الظالمين﴾ ٦

١ الآية ٧٢ من سورة المائدة ٢الآية ٧٣ من سورة المائدة ٣ الآية ١٧١ من سورة النساء ٤ الآيتان ٧٨-٧٩.من سورة يس ٥ الآية ٢٤ من سورة الجاثية ٦ الآية ٢٥٨ من سورة البقرة

1 / 14

ثانيًا: ما جاء في السنة النبوية: ١ - عن عائشة ﵂ قالت: لما اشتكى النبي ﷺ ذكرت بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية - وكانت أم سلمة وأم حبيبة ﵄ أتتا أرض الحبشة - فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها. فرفع رأسه فقال: "أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله" ١ ٢ - وعن جندب بن عبد الله ﵁ قال سمعت رسول الله ﷺ قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" ٢ ٣ - وعن عائشة وعن ابن عباس ﵄ قالا: "لما نزل برسول الله ﷺ طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا ٣

١ أخرجه البخاري في صحيحه "واللفظ له " كتاب الجنائز، باب بناء المسجد على القبر؛ انظر فتح الباري (٣/٢٠٨) ح ١٣٤١ وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (٢/٦٦) ٢ أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (٢/٦٧ ـ٦٨) ٣ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب حدثنا أبو اليمان؛ انظر فتح الباري (١/٥٣٢) ح ٤٣٥،٤٣٦ أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (٢/٦٧)

1 / 15

٤ - وعن ابن عباس: سمع عمر ﵁ يقول على المنبر: سمعت النبي ﷺ يقول: "لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله" ١ ٥ - وعن أبي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول الله ﷺ إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله ﷺ "الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى ﴿اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة بل أنتم قوم تجهلون﴾ ٢ لتركبن سنن من كان قبلكم" ٣ تلك بعض الإشارات عما حواه كتاب الله ﷿ وسنة نبيه ﷺ من ذكر مقالات اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم من أهل الباطل مما يؤكد ضرورة الاهتمام بتلك المقالات بقصد بيان زيغها وفسادها والرد عليها والتحذير منها ومن الوقوع فيها.

١ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب حديث الأنبياء، باب ﴿واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها﴾ انظر فتح الباري (٦/٤٧٨) ح ٣٤٤٥ ٢ الآية ١٣٨ من سورة الأعراف ٣ أخرجه أحمد في مسنده (٥/٢١٨) والترمذي في السنن (٤/٤٧٥) ح ٢١٨٠، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن أبي عاصم في السة (ص ٣٧) رقم ٧٦ وصححه الألباني

1 / 16

المطلب الثاني: أهمية علم المقالات عمومًا لعلم المقالات أهميته البالغة ومنفعته العظيمة باعتباره أحد العلوم المهمة التي أولاها العلماء اهتمامهم وتناولوها بالبحث والدراسة والتصنيف، وترجع أهمية هذا العلم لعوامل متعددة من أهمها مايلي: أولًا:- رصد وكشف المذاهب المنحرفة عن الصراط المستقيم فذلك من الأمور المهمة التي ينبغي الاهتمام الجاد بدراستها، وإعطائها حقها من المتابعة والبحث، تحقيقًا لقول الله تعالى ﴿وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين﴾ ١٢، قال الإمام ابن القيم ﵀: "العالمون بالله وكتابه ودينه، عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلان، فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس، وأنصحهم لهم، وهم الأدلاء الهداة، وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة، فإنهم نشأوا في سبيل الضلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلى الهلاك وعرفوها مفصلة، ثم جاء الرسول ﷺ فأخرجهم من الظلمة الشديدة إلى النور التام، ومن الظلم إلى العدل، فعرفوا مقدار ما نالوه وظفروا به، ومقدار ما كانوا فيه، فإن الضد يظهر حسنه الضد، وإنما تتبين الأشياء بأضدادها، فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا إليه، ونفرة وبغضًا لما انتقلوا عنه ... "٣.

١ الأنعام الآية ٥٥. ٢ مقالات في المذاهب والفرق ص ٧٧. ٣ الفوائد ص ١٠٨-١٠٩. ط دار الكتب العلمية ١٣٩٣هـ

1 / 17

وهذا المفهوم يجليه قول عمر الفاروق ﵁: "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية" ١ ثانيًا: الرد على أهل الأهواء والبدع حتى تنقطع شبهتهم ويزول عن المسلمين ضررهم، فتلك مرتبة عظيمة من منازل الجهاد باللسان، فقد صح من حديث أنس أن النبي ﷺ قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" ٢ وقال الإمام ابن تيمية: "فالراد على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحي ابن يحي يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد"٣. وقال أيضًا: "وإذا كان النصح واجبًا في المصالح الدينية الخاصة والعامة: مثل نقلة الحديث الذين يغلطون ويكذبون، ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلَّى واعتكف فإنما هو انفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء، لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء

١ تيسير العزيز الحميد (ص ٩٠) ٢ أخرجه أحمد في مسنده (١٩/٢٧٢ ح ١٢٢٤٦) وإسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه وأبو داود (٢٥٠٤)، والنسائي (٦/٥١)، والحاكم (٢/٨١) وصححه، ووافقه الذهبي، والضياء في المختارة (١٩٠٥) ٣ مجموع الفتاوى ٤/١٣.

1 / 18

العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعًا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً"١. ثالثًا: أن الدعوة إلى عقيدة أهل السنة والجماعة والاجتماع عليها وبيان فساد ما خالفها وشذ عنها والتحذير منهم فيه تكثير للفرقة الناجية المعتصمة بالحق، وفيه أمر بالمعروف، قال ابن تيمية ﵀: "ولا يقال: فإذا كان الكتاب والسنة قد دلا على وقوع ذلك - الافتراق بين المسلمين - فما فائدة النهي عنه؟ لأن الكتاب والسنة أيضًا قد دلا على أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة متمسكة بالحق الذي بعث به محمد ﷺ إلى قيام الساعة وأنها لا تجتمع على ضلالة. ففي النهي عن ذلك تكثير هذه الطائفة المنصورة وتثبيتها وزيادة إيمانها فنسأل الله المجيب أن يجعلنا منها"٢. رابعًا: إن دراسة مقالات الفرق من باب معرفة الشر لتوقيه وتحذير الناس من الفرق المبتدعة التي تكاثرت وتكاتفت فتعددت السبل وكثرت المشتبهات، وفي ذلك نهي عن المنكر. وقد كان حذيفة بن اليمان ﵁ يقول: "كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"٣.

١ مجموع الفتاوى ٢٨/٢٣١-٢٣٢. ٢ اقتضاء الصراط المستقيم ١/١٥٢. ٣ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ (انظر فتح الباري ١٣/٣٥ ح ٧٠٨٤) . وأخرجه مسلم في صحيحه، كتب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر (٦/٢٠)

1 / 19

قال ابن تيمية - في تعليقه على أحاديث النهي عن التفرق ـ: "وهذا المعنى محفوظ عن النبي ﷺ من غير وجه، يشير إلى أن التفرق والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة، وكان يحذر أمته منه لينجو من الوقوع فيه من شاء الله له السلامة"١. خامسًا: بيان صلة الفرق الضالة والآراء المنحرفة المعاصرة بجذورها الخبيثة من الفرق القديمة أهل الأهواء والبدع وكشف حقيقتها وتلبيساتها على الناس، فإن تغيير الأسماء مع بقاء المسميات والمعاني من أساليب الخداع والمكر عند اليهود والزنادقة وأعداء الإسلام. قال ابن القيم ﵀ بعد كلامه عن التحيل الباطل ـ: "وإنما غرضه التوصل بها إلى ما هو ممنوع منه، فجعلها سترة وجنَّة يتستر بها من ارتكب ما نهي عنه فأخرجه في قالب الشرع. كما أخرج الجهمية التعطيل في قالب التنزيه. وأخرج المنافقون النفاق في قالب الإحسان والتوفيق والعقل المعيشي. وأخرج الظلمة الفجرة الظلم والعدوان في قالب السياسة وعقوبة الجناة. وأخرج الروافض الإلحاد والكفر والقدح في سادات الصحابة وحزب رسول الله ﷺ وأوليائه وأنصاره في قالب محبة أهل البيت والتعصب لهم وموالاتهم. وأخرج فسقة المنتسبين إلى الفقر والتصوف بدعهم وشطحهم في قالب الفقر والزهد والأحوال والمعارف ومحبة الله ونحو ذلك. وأخرجت الاتحادية أعظم الكفر والإلحاد في قالب التوحيد وأن

١ اقتضاء الصراط المستقيم ١/١٢٧.

1 / 20

الوجود واحد لا اثنان وهو الله وحده فليس هاهنا وجودان خالق ومخلوق ولا رب ولا عبد بل الوجود واحد وهو حقيقة الرب. وأخرجت القدرية إنكار عموم قدرة الله تعالى على جميع الموجودات، أفعالها وأعيانها في قالب العدل، وقالوا: لو كان الرب قادرًا على أفعال عباده لزم أن يكون ظالمًا لهم فأخرجوا تكذيبهم بالقدر في قالب العدل. وأخرجت الخوارج قتال الأئمة والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأخرج أرباب البدع جميعهم بدعهم في قوالب متنوعة بحسب تلك البدع، فكل صاحب باطل لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق ... "١. سادسًا: إن عدم دراسة الفرق والرد عليها وإبطال الأفكار المخالفة للحق، فيه إفساح المجال للفرق المبتدعة أن تفعل ما تريد، وأن تدعو إلى كل ما تريد من بدع وخرافات دون أن تجد من يتصدى لها بالدراسة والنقد٢. ولهذه العوامل وغيرها تبدو الضرورة ملحة لوجود هذا العلم واعتناء أهل العلم به، وهذا هو الواقع الملموس من تتبع جهود العلماء قديمًا وحديثًا عبر القرون المختلفة، قال طاش كبري زاده في معرض تعريفه لعلم المقالات "وموضوعه وغايته وغرضه ومنفعته ظاهرة جدًا."٣

١ إغاثة اللهفان ٢/٨١. ٢ فرق معاصرة لغالب العواجي ١/٢٦. ٣مفتاح السعادة (١/٢٩٨)

1 / 21