الجماعة بأخبار الآحاد وما لم يبلغ منها حدّ التواتر والانتشار، وأن ذلك لا
يحلُّ ولا يسَعُ بل لا يصلح عندنا إضافةُ ذلك إلى أدنى المؤمنين منزلة من
أهل عصرنا بخبر الواحد، وما لا يوجب العلم، فضلًا عن إضافة ذلك إلى
جلة الصحابة والأماثل، وتعليقه عليهم بما دون التواتر والانتشار من الأخبار
التي لم تقم الحجة بأنه قرآن منزل، بل هو ضربٌ من الدعاء، وأنه لو كان
قرآنًا لنُقل نقْلَ القرآن، وحصل العلم بصحته، وأنه يمكن أن يكون منه كلامًا كان قرآنًا منزلًا ثم نُسخ وأبيح الدعاء به وخُلط بكلام ليس بقرآن.
وأنّ أبيّا لم يُحفظ عليه قط أنه قال: إن كلام العرب قرآنٌ منزَل، وإنما
روي أنه أثبته في مصحفه، وقد يثبِت في مصحفه ما ليس بقرآن، من دعاء
وتأويل مع تنزيل، وغير ذلك لوجوه من التأويل سنبينها فيما بعد إن شاء الله.
وأن أُبيًا وعبدَ الله بن مسعود لم يطعنا قط على مصحف عثمان
والجماعة، ولا نسباه إلى أن فيه تحريفا أو تغييرًا وتبديلًا، وزيادةً ونقصانًا.
أو مخالفةَ نظمٍ وترتيبٍ، بل اعتقدا صحته، وأخبرا بسلامته، وإن رَأيا جواز
القراءة بجميع ما انطوى عليه مصحفُهما، من غير قدع في مصحف
الجماعة.
وأن عبد الله بن أبي سَرح وغيره من كَتَبةِ الرسول ﷺ قد يجوز أن تسبق يدُه وقلمُه ولسانُه إلى تلاوة آية وكلمة وآيتين مما نزل على الرسول ﷺ من إظهار الرسول لذلك، إذا كان ما تقدم من إملائه يقتضي ما تسبق إليه يد
الكاتب ولسانه، وأنه لم يجز أن يتفقَ مثل ذلك في السورة بأسرها، وما هو
معجزٌ وآيةٌ للرسول ﷺ وأن موافقة الكاتب وسبقَه إلى مثل هذا يجعل الحَدْسَ وصحيح العلم بما يقتضيه الكلام لا يوجب الشك في صدق الرسول، والارتياب بنبوته، والقول بأنه يثبت القرآن برأيه، فكما يتفق له
1 / 62