فهدايته جل وعلا مع أنه تفضل منه فهو أيضا وضع لها في الموضع المناسب إذ هذا مقتضى وصفه جل وعلا بالحكمة قال سبحانه: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ (^١).
ومن ضل فإن الله سبحانه لم يظلمه شيئًا ولم يبخسه حقه إنما منعه فضله وهدايته، وذلك أيضًا لحكمة بالغة فإن الضال ليس بمحلٍ للهداية فهدايته وضع لها في غير موضعها قال عزوجل: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ (^٢).
فكل من ضل عن الحق فإنه من هذا الصنف الذين علم الله عزوجل أنه لا خير فيهم ولو علم فيهم خيرًا لهداهم.
بقي هنا مسألة تتعلق بالمشيئة وهي: أنه لا تلازم بين المشيئة والمحبة وذلك أن المشيئة لا تأتي إلا بمعنى الإرادة الكونية القدرية حيث الإرادة تنقسم إلى نوعين:
النوع الأول: الإرادة الكونية القدرية مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ (^٣) ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ (^٤) ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ (^٥). وغير ذلك من الآيات، وهذا النوع من الإرادة بمعنى المشيئة إذ لابد من وقوعه لأنه يتعلق بالقضاء والأمر الكوني القدري.
النوع الثاني: الإرادة الدينية الشرعية مثل قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ
_________
(^١) سورة الأنعام آية (٥٣).
(^٢) سورة الأنفال آية (٢٣).
(^٣) سورة هود آية (١٠٧).
(^٤) سورة البقرة آية (٢٥٣).
(^٥) سورة الأنعام آية (١٢٥).
1 / 51