Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Géneros
الأول: علم المؤلف في اللغة، وهو علم من أعلامها كما سبق ذلك، وباعه الطويل وبحثه الواسع وآراؤه المميزة في علوم اللغة العربية، كل هذه وغيرها جعلت من هذا الإمام إماما في نهجها، وواحدا من الرواد في كشف أسرارها واجتلاء حقائقها، ومدرسة في فنونها مميزة بمعالمها، ومن يبحث في كتابه (الطراز) الآنف الذكر، يعتقد أن مؤلفه لم يشغل حياته بغير اللغة العربية.. نحوها وصرفها ومفرداتها ومعانيها وبديعها وقواعدها وأقيستها وعروضها وشعرها ومؤلفاتها وأعلامها.
ونعرض هنا لنموذج ثلاثي من آرائه المميزة:
1- من القواعد التي أثبتها المؤلف في كتابه (الطراز) أن المفردات أسماء وصفات وأفعالا، المنقولة من معناها اللغوي (الأصلي) إلى الدلالة على معان شرعية مثل الصلاة والزكاة والحج والمسلم والمؤمن والكافر والفاسق وغيرها وما تصرف عنها.. تعبر عن معانيها الشرعية هذه تعبيرا حقيقيا، وتعتبر فيها حقيقة لغوية، لا مجازية كما يقول جمهور الأشاعرة وغيرهم.
وجاء في (المطلب الثاني) من التمهيد لبداية هذا الكتاب، فأكد هذه القاعدة وعللها وأورد آراء المخالفين وناقشها، وهذه المسألة موضوع بحث ونقاش وخلاف واسع بين أعلام ومدارس الفكر الإسلامي، وهي وإن كانت قضية لغوية وبداية الخلاف فيها لغويا، فإن جوهرها وجوهر الخلاف حولها، يجعلها قضية أساسا في (أصول الدين) و(أصول الفقه) والفقه.
2- في مسألة الخلاف في مسح كل الرأس في الوضوء، من حيث دلالة صيغة آية الوضوء {وامسحوا برؤوسكم}، هل توجب الآية الكريمة مسح كل الرأس، أم بعضه؟ فذهب جمهور الفقهاء تقريبا، إلى الدلالة على البعضية، بحجة أن (الباء) في {برؤوسكم}، تأتي في مثل هذا المكان للتبعيض، وتدل عليه في دلالتها ومعناها اللغويين، وعارض المؤلف هذا القول رأيا وتفسيرا، وذهب يعرض أوجه الاستدلال ضد مخالفيه بطريقة شيقة بقدر ما هي شاملة وعميقة ومقنعة وواضحة، في أوجه ثلاثة:
أولها: أن الباء تأتي للإلصاق، وهو معناها الأصلي الذي يجب الرجوع إليه، فهي تعني عكس ما ذهب إليه مخالفوه، وهو إلصاق المسح بكل جزء من الرأس.
ثانيها: استشهد بابن جني، وهو واحد من أبرز فلاسفة اللغة العربية والمجددين في علومها.. وأورد رأي ابن جني الذي قال فيه: (ومن زعم أن الباء للتبعيض، فشيء لا يعرفه أهل اللغة، ولا ورد في شيء من كلام العرب منظومه ولا منثوره) (¬1).
Página 81