Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
وحجة أخرى: وهو ما روي عن ابن عباس وابن الزبير (¬1) (رضي الله عنهما) (( أن رجلا حبشيا لما وقع في زمزم فمات فيها فأمرا بنزحها)). ووجوب النزح إنما كان مشروعا من أجل كونه متغيرا بالنجاسة، فأما إذا لم يكن متغيرا فسنقرر الخلاف فيه ونذكر حكمه، ولأن النجاسة إنما تعلقت بالماء لما كان متغيرا فإذا نزح زال ما كان نجسا وخلفه ماء طاهر، فلأجل ذلك كان النزح مشروعا في الآبار لما يرجى من طهارته بنبوع ماء طاهر غيره، بخلاف غيرها من الأمواء الراكدة كامبرك، فإنها إذا تنجست فلا فائدة في نزحها لطهارتها إذ لا يخلفها ما يطهرها كما في الآبار، ولكن يرجى زوال ذلك عنها بهبوب الريح أو بحصول المكاثرة فيها بالسيول إذا وردت عليها، فالشرط المعتبر في طهارة البئر بالنزح، هو تكرره بالدلاء والقصاع والكيزان وما شاكلها، حتى يذهب ما ظهر عليه من تلك الأوصاف كلها؛ لأن ذلك هو الأمارة في نجاسته فلابد من نزحه حتى تذهب كلها، فيكون طاهرا بعد ذلك لزوال النجاسة عنه، ويكرر النزح مرة ثانية وثالثة، ولا سبيل إلى الحكم بطهارة البئر ومائها إلا بالنزح المذهب للنجاسة، فإن لم تزل الرائحة، وما في حكمها من اللون والطعم مع بلوغ الغاية والاستقصاء في نزحها، وجب العدول عنها إلى التيمم إذا لم يوجد ماء غيرها؛ لأن النجاسة فيها باقية فلا وجه يبيح استعمالها مع تحقق بقاء النجاسة فيها، ولأن للطهارة بالماء بدلا فلا حاجة إلى التضمخ بهذه النجاسة وبدلها ممكن، ولأنه إذا وجب العدول إلى التيمم مع طهارته فالعدول هاهنا أوجب مع كونه نجسا.
وهل يشترط في طهارة البئر أن يغلب الماء النازح لقوة نبعه أم لا؟ والظاهر من كلام الشيخ علي بن الخليل والقاضي أبي مضر (رحمهما الله تعالى) اشتراطه؛ لأنهما قالا: والبئر إذا ظهر على مائها ما غير ريحه أو لونه أوطعمه لم يطهر إلا بمجموع شرطين:
أحدهما: ذهاب هذه الأوصاف كلها من الريح والطعم واللون.
الثاني: أن يغلب الماء النازح لقوة نبعه.
والمختار: أنه لا يحتاج إلى الشرط الثاني، وأن التعويل إنما هو على الشرط الأول، فبزوال الأوصاف يكون التطهير، وببقائها تكون النجاسة من غير حاجة إلى غيره، وإليه تشير الظواهر الشرعية في نجاسة الماء وطهارته كما قررناه من قبل.
الانتصار: يكون ببيان ضعف ما قالاه، وهو أن النزح واجب لا خلاف فيه بين أئمة العترة وفقهاء الأمة لا خلاف فيه فيما ظهرت عليه النجاسة، لكن ما ذكراه فيه نظر من جهة المعنى.
فنقول: أما الشرط الأول: وهو النزح حتى تذهب الأوصاف كلها، فهو جيد لا عثار عليه.
Página 432