207

Intisar

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

الضرب الأول منها: الماء القراح الباقي على أصل خلقته لم يشبه شائب ولا غيره مغير في عينه ولا حكمه، كالمياه النازلة من السماء وماء العيون والأنهار وأمواء البحار وغير ذلك مما يشاكلها في الصفاء والرقة، وقد قررنا أدلة كونها طاهرة في نفسها مطهرة لغيرها فأغنى عن الإعادة.

الضرب الثاني: ما تغير وصفه عن أصل خلقته ولكنه يعد يسيرا لا يوجب إزالة اسم الماء المطلق عليه، فما هذا حاله فهو طاهر مطهر لغيره كالماء المتغير بطول المكث والمتغير بزعفران يسير أو صابون أو أشنان، بحيث لا يظهر أثره عليه، وهكذا حال ما تغير ريحه بالعود والعنبر والكافور، أو كان في مقره أو ممره كالزرنيخ والكحل كما مر تفصيله.

الضرب الثالث: ما تفاحش تغيره بمخالطة غيره من الأشياء الطاهرة بحيث لا يطلق اسم الماء عليه، فإن استجد إطلاق اسم الماء عليه لم يجز التطهر به، كالمرق والنيل والنقم(¬1) في طهارة الحدث ولا في طهارة النجس إجماعا بين أئمة العترة وفقهاء الأمة لخروجه عن صفة المائية، وإن لم يستجد اسما منفردا يطلق عليه ولكنه خالطه وسواء غلب عليه أو لم يغلب، فلا يجوز التطهر به عند الأكثر من أئمة العترة والشافعي، خلافا لأبي حنيفة وأصحابه، فقالوا: يجوز التطهر به إذا لم يكن غالبا عليه، وهو المختار كما أوضحناه من قبل، وقد فصلنا هذه الجملة وأوردنا ما تحتمله من المسائل المفصلة والله الموفق للصواب.

القسم الثاني: في بيان الأمواء النجسة:

إذا وقعت النجاسة في الماء فغيرت ريحه أو لونه أو طعمه، فإنه يكون نجسا قليلا كان أو كثيرا، عند أئمة العترة، وهو قول الفرق الثلاث: الحنفية والشافعية والمالكية.

والحجة على ذلك: ما روي عن الرسول أنه كان يتوضأ من بئر بضاعة (بضم الباء، فالضاد المعجمة والعين المهملة، بئر في المدينة)، فقيل: يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة وإنه يطرح فيها المحايض ولحوم الكلاب وعذر الناس. (والمحايض: خرق الحيض، والعذر: جمع عذرة، وهو ما يخرج من أدبار بني آدم). فقال رسول الله : (( خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء، إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه )). فنص عليها جميعا فلا حاجة إلى القياس مع هذا.

Página 210